سمات القائد.. محليا
بغض النظر عن مصدر أحاديث مهارات القيادة، سواء كان برنامجا للدراسات العليا أو عبر خلاصات التجارب والخبرات الموثقة أو دورات التدريب التنفيذية، سنجد أن معظم ما يقال يشبه الأحاديث المستوردة والمقتطفات المهارية المترجمة من لغات وثقافات مختلفة، وهذا طبيعي فالمعرفة اليوم تأتي من هناك.
محليا، ينبع الاختلاف من جانبين. الأول نجد فيه أن تجربتنا قد تأتي بتصور مختلف للقائد وسماته التي تلائم ــــ وتنتج عن ــــ السياق من حوله، والجانب الآخر هو الخصوصيات التي تميز هذا السياق والتي تستوجب إخضاع النماذج المستوردة إلى الفحص والتعديل قبل التطبيق. لهذا يظهر لنا سؤال مهم: إلى أي مدى ستختلف باقة المهارات القيادية المؤثرة في العالم الغربي عن واقعنا المحلي؟ العالم الغربي كما نتعلم منه وواقعنا المحلي كما يجب أن نتفاعل معه!
لم تعد المقالات التي تتحدث عن القيادة تركز على المفهوم وأهمية فكرة القيادة، لأنها أصبحت اليوم من مسلمات النجاح في المنظمات والمجتمعات، وهذا لا يتطلب التأكيد والتذكير فالتاريخ يثبته والواقع يبرهنه لنا كل يوم. ولكن باتت التوجيهات والنصائح تهتم أكثر بالممارسات والآليات التي تُمكّن من الوصول إلى تطبيقات القيادة الفعالة والملائمة، إلى السمات التي تمكن الأشخاص من تحقيق الفارق، إلى ما يمكن عمله وتنفيذه على أرض الواقع. وهذا ما يوضحه تطور الكتابات حول القيادة الفعالة والناجحة والتحولية، من نماذج برنارد باس وستيفن كوفي إلى كتب جون ماكسويل العديدة والمتنوعة.
تشير أبحاث التنوع الثقافي إلى أن بعض خصائص القياديين تدخل تحت دائرة الضوء وتصبح أكثر أهمية عند الحديث عن الدول النامية. تماما مثل السمات الروحانية للقائد التي تزداد أهمية في المجتمعات المتدينة مثلا، وبكل تأكيد يظل هناك قدر معتبر من السمات الاعتيادية المشتركة بين القادة المؤثرين التي لا تختلف باختلاف المجتمع والثقافة.
تدور معظم النماذج القيادية حول تطوير المهارات والكفاءات التي تحفز أكبر قدر من التأثير. وبغض النظر عن التنظير والتبويب الذي تناله هذه السمات، لا يكفي التركيز على باقة محددة وموحدة لصنع التأثير المطلوب. قد يستدعي الأمر تخصيص هذه الباقة حسب الثقافة، وربما يستدعي الخروج عن هذا الخط تماما ليتحول أسلوب بناء القدرة القيادية ــــ والتأثير أساسا ــــ إلى التركيز على النتائج والمواقف، أي ما يمكن تحقيقه بناء على الظروف والمعطيات. على سبيل المثال، قد لا يكفينا كل من الصدق والنزاهة والإبداع إضافة إلى إتقان مهارات التواصل والتفويض والتعامل مع الغير لصنع القائد المؤثر ــــ وهذه كلها من السمات التقليدية للقائد المؤثر، فبعض المواقف تتطلب "الكاريزما"، وربما الغموض، بدرجة أكبر من غيرهما من السمات ليتحقق التأثير في الآخرين.
تلخص باحثة تركية مجموعة من السمات المشتركة للقائد المؤثر في الدول النامية. أولى هذه السمات هي القدرة على تمكين الآخرين، ويتبعها ما يتعلق بمشاركتهم والتفاعل معهم مع الحفاظ على ما يلزم من الحزم لاتخاذ القرارات. الثقة وما يحقق هذه الثقة من السمات كالكفاءة المعرفية والمهارية والإدارية تأتي دائما ضمن المقدمة، إضافة إلى القدرة على تمرير ملامح الثقة ــــ حتى يتمكن القائد من الحصول عليها. تتواءم كل من النزعة الأبوية في تعامل المرؤوسين والعدل والتظاهر بالحكمة مع الثقة بطريقة عجيبة، لذا تعد من أهم الخصائص هنا. الدبلوماسية ــــ ولباقة المجاملات ــــ مطلب مهم ولا يغيب عنهم كذلك تقدير الفروقات الطبقية مع المحافظة على درجة معقولة من التواضع، وأخيرا القدرة على صنع فِرَق العمل، وليس إدارتها فقط.
إضافة إلى ما سبق، يشكل التكوين السكاني عنصرا مهما في تحديد متطلبات القيادة، فصغر أعمار الموظفين وربما الفارق الثقافي الشاسع بينهم وبين الأجيال التي تسبقهم يجعلان المهمة أصعب على القادة. التعامل مع مستويات مختلفة ومتنوعة من الطموح والتأهيل وحاجة الدمج بينهم يتطلب قدرات غير اعتيادية. وهذا يحصل اليوم في العديد من شركات القطاع الخاص، سنجد سعوديين بتأهيل وقدرات وطموحات استثنائية وسعوديين آخرين على الجانب النقيض؛ وهذا ينطبق على المقيمين كذلك ـــ خصوصا في الشركات الكبرى ــــ التي توظف كبار المتخصصين المؤهلين وغيرهم من العمالة الرخيصة متدنية المهارة والإمكانات. هذه التنوع والاختلاف يضعف من التأثير الإيجابي المنتظر من القائد. ففي حالات التنوع الشديد يضطر إلى أن يسخر جزءا من إمكاناته وكفاءاته لفريق دون آخر، ما يصنع في النهاية عزلة بين الحلقات التي تستجيب لتأثيره. لربما استجاب له الجميع ولكن بطريقة سلبية تجوف كل مجهوداته وتضعفها. لذا، يُقبل القائد الذكي على زيادة وعيه بخصوصيات البيئة التي يعمل فيها ويقدر دائما الفروقات بين ما يتعلمه وما يمكن تطبيقه على أرض الواقع، حيث يعمل ويتعلم بانسجام لأجل التأثير الحقيقي والفعال، وهذا ليس ببعيد على الجيل القادم من القادة والمبدعين.