السر العظيم الذي يأسر قلوب الموظفين
دعونا نعد إلى موضوع القيادة ونناقش أهم مبادئها لكي نتعلم شيئا جديدا للرقي بمؤسساتنا ومنظماتنا ونقع على السر العظيم الذي يأسر قلوب الموظفين ويجعلهم يعملون كالعبيد المسخرين. ترى النظريات الكلاسيكية أن القائد يولد ولا يصنع، وطالما الوضع كذلك، فإن هناك ندرة في القيادات، ويرى أتباع هذه المدرسة أن هناك عجزا في القياديين الأكفاء لأننا نضطر أن ننتظر حتى يخرج علينا قائد ملهم من رحم أمه. وقد اتفقت النظريات الحديثة مع الفكر الكلاسيكي في ندرة القيادات إلا أنها لم تعز ذلك إلى فكرة أن القائد يولد بل لعجز المنظمات والأفراد في تنمية وصناعة القادة. فالنظريات الحديثة تقول إن القائد يصنع ولا يولد وترى أن القيادة ليست وقفا على أفراد معينين ففي وسع كل إنسان أن يكون قائدا ومن ينادي في هذا العصر بأن القيادة حكر على أولئك الذين يختصون بخصائص وراثية غير مقبول منهم ألبتة وهذا هراء وأساطير لا تمت للواقع بصلة والعجز الذي تعانيه المنظمات من القادة الأكفاء يعود إلى إخفاق المنظمات في تأهيل وتنمية القيادات.
ورغم أن أدبيات الأعمال تزخر بكم هائل من مبادئ وأساسيات القيادة، إلا أن أهم مبدأ يراه منظرو القيادة الحديثة هو "الاعتناء المبالغ فيه بالأتباع". فإذا فطن القائد إلى ذلك وتجرد من القناعات البالية والمعتقدات الإدارية الخاطئة وبالغ في إكرام من يعملون معه فسيأتي له ذلك بالعجائب. وقد كانت بعض النظريات الكلاسيكية تنادي أنه إذا تعارضت مصالح العاملين في الشركات مع مصلحة العمل والإنتاج فإن مصلحة العمل تطغى على مصلحة العاملين. إلا أن هذا الرأي لم يعد مرحبا به الآن، فالقياديون الأكفاء هم الذين يقدمون مصالح مرؤوسيهم وأتباعهم على أي مصلحة كانت في المنظمة حتى لو تعارض هذا الأمر مع جودة المنتجات وهدد مستقبل الشركة لأن الاهتمام بهم (العاملين) سيقود إلى زيادة الإنتاج وإلى زيادة الاهتمام بالعملاء كما سنرى.
ومن أفضل من استخدم مبدأ إكرام الأتباع "شولتز" المدير التنفيذي لمؤسسة ستاربكس. فنتيجة لمبالغته في إكرام من يعملون معه نمت «ستاربكس» من كافتيريا محلية لها بضعة فروع في سياتل (بواشنطن) إلى عملاق قومي له أكثر من ألفي فرع حول العالم، وما يقارب 30 ألفا من العاملين. وما زالت هذه الشركة تنمو بشكل يحير ذوي الألباب والنهى حتى أتت حقيقة أمرها على لسان مؤسسها شولتز فقال "مطلبنا الأول الاهتمام برجالنا لأنهم المسؤولون عن نقل عواطفنا إلى عملائنا، وإذا ما فعلنا ذلك جيدا فإننا سنحقق مطلبنا الثاني ألا وهو الاهتمام بالعملاء، ومن خلال تحقيق هذين الهدفين وحدهما يمكننا تقديم قيمة طويلة المدى لحاملي الأسهم". وبهذا فقد بين شولتز الجناحين اللذين قادا «ستاربكس» وحلقا بها في الآفاق بعيدا عن المنافسين وهما الاهتمام بالعاملين الذي أدى إلى الاهتمام بالعملاء.
وليست «ستاربكس» هي التي بدأت فكرة الاعتناء المبالغ فيه بالعاملين، بل تبناها من قبل ماريوت صاحب ومؤسس أضخم وأنجح شركة فنادق في العالم، وقد اتضح ذلك من جملة بسيطة ذكرها في أحد لقاءاته وهي "إننا نعتني برجالنا لكي يعتنوا بنزلائنا". ولم تكن هذه مجرد عبارات تكتب أو كلمات تقال فـ«ستاربكس» و«ماريوت» وغيرهما تقدم منافع جمة لمن يعملون معهما تبدأ بالرعاية الصحية، وخيارات شراء الأسهم، مرورا ببرامج للتدريب، فالاستشارات المهنية، وتخفيضات على المنتجات، حتى وصل هذا التدليل إلى زيارة عائلات العاملين في منازلهم وتفقد أحوالهم وتقصي أخبارهم.
إذا ماريوت وشولتز لم يكونا عبقريين كما يروج عنهما، بل فطنا مبكرا إلى مبدأ بسيط من مبادئ القيادة مؤصل في أدبيات الأعمال ويعاد ويكرر في الدورات والمؤتمرات ألا وهو إكرام الرجال الذين يعملون معهما فتحقق لهم ما أرادا.
ولو عدنا إلى منظماتنا وشركاتنا لنرى أين هي من إكرام الرجال وتقدير الأتباع، نجد أن قياداتنا تفعل العكس تماما ولا يوجد في فلسفتها الإدارية ما يسمى مبدأ إكرام الأتباع، بل إن بعض منظماتنا لا يوجد بها نظام قيم للحوافز. فنراها كيف تتسارع وتتباهى في قمع الموظفين حتى وصل الأمر إلى حرمانهم من مستحقاتهم التي يكفلها لهم النظام، أو تم الاتفاق عليها في العقد المبرم بين الموظفين وبين الشركة. نرى كثيرا من القيادات تقتر على مرؤوسيها وتفاوضهم وتساومهم، بل تمتن عليهم أنها جعلت منهم موظفين يغدون ويروحون بعد أن كانوا عاطلين محرومين ويرون أن هذا في حد ذاته مكسب للموظف يجب أن يذكره فيحمده.
وهناك قصص وروايات عن قمع الموظفين في بيئاتنا التنظيمية تصدر من قياديين في مؤسسات خاصة وفي منظمات حكومية يتفننون في إيذاء مرؤوسيهم ويذلونهم في مصدر معيشتهم، بل يتتبعونهم حتى بعد تقاعدهم. ولولا الحياء من "شولتز" و"ماريوت" لعرضت عليكم بعض القصص التي رأيتها وحدثت سيناريوهاتها أمام عيني صدرت من قياديين سعوديين في منظمات سعودية على موظفيهم.
ولكنني أعذرهم لأنني أعرف السبب الجوهري لهذا النهج القيادي الفاشل، وهو الجهل بمبادئ القيادة وعدم معرفتهم كيف يسوسون الرجال ويأسرون قلوبهم كي يحصلوا منهم على كامل طاقتهم وينموا في أنفسهم الولاء والانتماء. نتمنى من قياداتنا في كل المجالات أن يتعهدوا أنفسهم بالقراءة والبحث في أساليب ومبادئ القيادة قبل أن يتقلدوا أي مهمة قيادية فمهمتهم ستكون أسهل وعملهم سيكون أمتع. ونماذج وأساليب القيادة ليست معلومات سرية أو بيانات استخباراتية، بل هي منشورة وميسرة ومتوافرة وبعضها مختزلة في عبارات بسيطة يسهل تردادها ومن ثم تذكارها.