التشكيل الوزاري الجديد .. أبعاد حيوية
باعتقادي أن أهم ما يميز التشكيل الوزاري الجديد سعيه نحو تحقيق عدة أبعاد حيوية. هذه الأبعاد يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور رئيسة: فهي أولا تنم عن رغبة ملكية نحو إعادة هيكلة الإجراءات الحكومية، وإعادة ترتيب أولوية الإنفاق الحكومي حسب متطلبات المرحلة الحالية سواء على مستوى قطاع النفط أو على مستوى أولويات المواطن، وأخيرا الاستعداد لمرحلة مستقبلية وفقا للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك عبر تعيين العديد من الكفاءات الشابة المؤهلة. ولعلي في هذا المقال أن أتطرق إلى هذه الأبعاد بشيء من التفصيل.
البعد الأول: لا شك في أن تحقيق التنمية المستدامة أحد أهم الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها. لكن من المؤسف أننا عشنا فترة طويلة مقيدين بإجراءات بيروقراطية عقيمة عطلت كثير من المشاريع التنموية. فمثلا شهدت البلاد في عهد المغفور له ـــ بإذن الله ـــ الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـــ رحمه الله ـــ اعتمادات مالية سنوية غير مسبوقة، لكن تعثر تلك المشاريع كان أحد أهم العوامل التي منعت تحقيق العديد من الأهداف التنموية. لذا كان هناك العديد من المحاولات الحكومية التي سعت نحو تجاوز الإجراءات البيروقراطية العقيمة، لكن فعالية تلك الإجراءات لم تفلح في دفع عجلة التنمية بالصورة المرجو منها بل تحولت ظاهرة تعثر المشاريع إلى سمة غالبة في أكثر المشاريع الحكومية. ولا أدل على فقدان الثقة بكفاءات الإجراءات الحكومية اعتماد الدولة أخيرا على شركة أرامكو السعودية كمنفذ وضامن لإنهاء العديد من المشاريع في وقتها.
أعتقد أن من أهم أهداف الأوامر الملكية التي صدرت أخيرا سعيها نحو إعادة فعالية الإجراءات الحكومية عبر إعادة هيكلة التنظيمات الإدارية الحكومية وارتباطاتها. فمثلا حل ظاهرة تعثر المشاريع الحكومية يتطلب حلولا "للمرض وليس للعرض". لذا فإن حل مشكلة المعوقات التنموية من جذورها يقتضى تخفيف أعداد اللجان العليا أو المجالس التنموية التي قد تكون في السابق حققت العديد من الأهداف التنموية لكن فعالية تلك المجالس أو اللجان العليا قلت أو هرمت. كما أن تكلفة إدارة تلك المجالس أو اللجان عالية وفيها تداخل في عضويتها وأحيانا مهامها. لذا جاءت الإدارة الملكية الحكيمة في استبدال تلك المجالس واللجان العليا المتعددة بمجلسين فقط لكن هذين المجلسين يضمان في عضويتهما صناع القرار كلّ في مجاله.
لذا فالأمل معقود على أن يصبح هذان المجلسان المطبخ الفعلي لصناعة القرارات السياسية والأمنية والاقتصادية والتنموية بصورتها الشمولية. لكن هذين المجلسين يجب أن تكون لديهما الصلاحيات المطلوبة التي تمكنهما من القيام بدوريهما خير قيام.
من المعلوم أن أهداف الدولة التنموية تضع نصب عينها تحقيق رفاهة المواطن حاليا ومستقبلا. لذا يبقى السؤال الذي يشغل بال كل شاب مدى قدرة الحكومة ومؤسساتها على تفعيل التنمية المستمدة بآليات واضحة قابلة للتطبيق. فمن غير الحكمة الاستمرار في الاعتماد على مدخولات النفط في تحقيق التنمية المستدامة مع أن كل خطط الدول الخمسية السابقة أشارت إلى أهمية إيجاد بدائل لمصدر التنمية الأساسي وهو النفط. لكننا ـــ ومع الأسف الشديد أيضا ـــ لم نشاهد أو نلمس أثر هذه الخطط على أرض الواقع. فما زالت مدخولات النفط تشكل قرابة 90 في المائة من ميزانية الدولة.
من هنا تكمن أهمية إيجاد مصادر تمويلية للميزانيات الحكومية كما تسهم في الوقت نفسه نحو تقليل البيروقراطية الحكومية. لذا أعتقد أن الإرادة الملكية رأت أهمية ضخ مزيد من الخبرات العاملة في القطاع الخاص من أجل تفعيل البعدين السابق ذكرهما. لذا أصبح مجلس الوزراء مع تشكيلته الجديدة يضم أكثر من سبعة وزراء ممن لديهم خبرة عملية في القطاع الخاص. هذا العدد كبير جدا عند مقارنته بفترة ما قبل عقد من الزمان عندما كان الوزراء الأكاديميون يشكلون الأغلبية من أعضاء مجلس الوزراء.
ولعل البعد الثالث الذي ذكرته في بداية مقالي هو نتيجة حتمية للبعدين السابق ذكرهما. فتنويع مصادر الدخل وإعادة هيكلة الإجراءات الحكومية يقودان إلى استشراف المستقبل وفقا للمتغيرات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية. لذا تأتي أهمية دور الوزراء الشباب الذين هم أقرب إلى فهم تطلعات الشباب وآماله المستقبلية.
نتمنى أن يسهم هذا التنوع بين أعضاء مجلس الوزراء سواء في الخلفيات العلمية أو العملية أو العمرية في تحقيق مكتسبات وطنية حقيقية تسهم في تنوع مصادر الدخل كما تسهم في إعادة هيكلة الإجراءات الحكومية الهرمة. كما نتمنى أن تسهم هيكلة مجلس الوزراء في تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التي تضع المواطن أولوية في كل قراراتها.