المحمدان .. الكفاءة والألمعية
في التشكيل الموفق الذي أطلقه الملك سلمان بن عبد العزيز في اللحظات الأولى لتسلّمه مقاليد الحكم .. نلحظ في هذا التشكيل الكثير من التوفيق والحكمة وسداد الرأي، وبالذات فيما يتعلق بالأمر الملكي بتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وليا لولي العهد ووزيرا للداخلية، وكذلك الأمر الملكي بتعيين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز مستشارا خاصا للملك سلمان ورئيسا للديوان الملكي ووزيرا للدفاع.
والواقع أن اختيار الأمير محمد بن نايف ومحمد بن سلمان جاء اختيارا موفقا أساسه الكفاءة والألمعية اللتان يتمتعان بهما، ولا نستغرب ذلك، فالأميران ينحدران من شجرة طيبة، وبيت آل سعود ليس غريبا أن يفرز القيادات، فهذا البيت منذ المؤسس الإمام محمد بن سعود وحتى الملك عبدالعزيز، ثم أبناؤه الملوك البررة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وسلمان قدم للجزيرة العربية قيادات جنبت الجزيرة الكثير من الحروب الطاحنة ونشرت الاستقرار والسلم وعمرت البلاد والعباد حتى أصبحت الجزيرة العربية الآن واحة ينتشر فيها البناء والتعليم والتعمير والتنمية.
وإذا تأملنا شخصية الأمير محمد بن نايف نلمح فيها شيئاً كثيرا من الذكاء، فهو يتميز بنظرات تبدو كأنها مسافرة دائما إلى المستقبل البعيد، ولذلك فإن شخصيته توحي لنا بأنها تتمتع بألمعية وبعد نظر، وأنها شخصية تتميز بقدرتها على وضع الأمور في نصابها، وأنها شخصية صاحبة حلول غير تقليدية. ويكفينا في هذا الصدد أن نشير إلى مشروع المناصحة للقضاء على الإرهاب، وهو المشروع الابتكاري الذي قدم للعالم " روشتة " سحرية للقضاء على الإرهاب عن طريق إعادة بناء فكر الشباب لا عن طريق استخدام القوة والعنف. وعن مدرسة الأمير محمد بن نايف في محاربة الإرهاب تحدثت الصحف الغربية طويلا وامتدحت المنهج الذي استنه والذي استطاع من خلاله أن يجهض الإرهاب في المملكة العربية السعودية.
أما شخصية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز فهي تعطيك ارتياحا غير عادي، كما أنها تتميز بأنها شخصية صاحبة قرار، وبالذات بالنسبة للقرارات المصيرية، وأنها شخصية تتسلح بقدرات فذة في الإقناع، ولذلك فإنه من الشخصيات الماهرة في فن المباحثات والمحادثات، وهو إضافة إلى ذلك شخصية قانونية يحرص على تقنين القضايا حتى تحقق الأهداف وتكتسب النجاح. وما لا يعرفه الكثيرون عن الأمير محمد بن سلمان إنه صاحب خبرات مديدة في مؤسسة الحكم، فقد شغل منصب مستشار في هيئة الخبراء، ثم شغل منصب مستشار ومشرف على مكتب ولي العهد، ثم صدر أمر ملكي باعتباره وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء، ثم صدر الأمر الملكي بتوزيره على وزارة الدفاع ورئيسا للديوان الملكي ومستشارا خاصا للملك سلمان.
باختصار نستطيع القول إن المحمدين سبيكة ذهبية سعودية إنسانية عظيمة امتزجت فيها التربية بالعلم والأخلاق والوطنية والقيادة.
إزاء ذلك لا نستغرب هذه الخصال في الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، ولكن الجديد هو قرار الاكتشاف والاقتناص، اقتناص المحمدين من بين الكفاءات العديدة في قائمة طويلة من شباب ناضج وموهوب تتميز بهم شجرة بيت آل سعود العامر والمعمر.
إن الأمر الملكي بتعيين الأمير محمد بن نايف كولي لولي العهد هيأ المملكة لمرحلة جديدة من مراحل انتقال السلطة بسلاسة وسيولة، وإنه حسم الرهان الذي كان يراهن عليه المغرضون. أما تعيين الأمير محمد بن سلمان مستشاراً للملك فإنه يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل تكريس الاستقرار في السلطة الأعلى لنظام الحكم في مملكة مقبلة على عصر جديد مليء بالتحديات، وفي هذا إضفاء مزيد من الاستقرار والثبات لهذه المملكة التي جمعت بين العلم والإيمان.
بمعنى أن الملك سلمان بن عبدالعزيز جدد تأسيس مستقبل مملكة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وأحاطها بكثير من الدعامات والأسس الكفيلة باستمرارها وتكريس استقرارها.
ولذلك، في ضوء هذين القرارين قرار تعيين الأمير محمد بن نايف وقرار تعيين الأمير محمد بن سلمان على وظائفهما القيادية المهمة في مؤسسة الحكم، فإن الملك سلمان جهز مفاتيح انتقال السلطة بسلاسة وسيولة وثبات لجيلين قادمين تكون فيها عمليات التسلّم والتسليم من السلف إلى الخلف سلسة وسريعة ومستقرة . ولذلك فإن المراقبين لم يجانبهم الصواب حينما قالوا إن المملكة العربية السعودية تجاوزت منعطفاً دقيقاً من مراحل تاريخها بنجاح بصدور هذين القرارين، وسط تحديات خطيرة تمر بها المنطقة، حيث تعتبر المنطقة العربية حالياً في مقدمة المناطق التي تشهد عدم استقرار وتنتشر فيها الصراعات والحروب الأهلية على مستوى العالم.