«وزارة التعليم» خطوة نحو المرونة والاستقلالية للجامعات
صدرت الأوامر الملكية الأخيرة الشاملة والمتنوعة التي لم تترك مجالاً من المجالات التنموية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية إلا تعاملت معه أو لامسته بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن هذه الأوامر المتصلة بالجامعات، الأمر الملكي بدمج وزارة التعليم العالي مع وزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة. وفي سياق فلسفة القرار في إدارة التعليمين العالي والعام تحت مظلة واحدة، أطرح الخواطر والمقترحات التالية:
أولاً، توجد علاقة وطيدة بين التعليمين العام والعالي، لكون أحدهما امتدادا للآخر، فمن جهة، تنتهي معظم مخرجات التعليم العام في الجامعات والكليات، ومن جهة أخرى، تنتهي مخرجات كليات التعليم العالي، خاصة كليات التربية والمعلمين بالعمل في المدارس. ومن هذا المنطلق، فإن الدمج يقلص الفجوة بين الوزارتين، بما يؤدي إلى توجيه مخرجات الجامعات لخدمة سوق العمل بوجه عام، ووزارة التعليم كجهة توظيف بوجه خاص.
ثانياً: نتيجة التوسع الكبير في التعليم العالي وانتشار الجامعات والكليات في مختلف المناطق والمحافظات، واختيار الوزارة للإشراف المباشر على إنشاء بعض المدن الجامعية في الجامعات الناشئة، فقد شهدت وزارة التعليم العالي توسعاً في إداراتها ومهامها، ما أدى إلى تضخم مسؤولياتها بدرجة كبيرة.
ثالثاً: لعل تقليص وزارة التعليم العالي (سابقاً) في وكالة لشؤون الجامعات أو لشؤون التعليم العالي، نعم لعله يؤدي إلى منح مزيد من الصلاحيات والمرونة وكذلك نوع من الاستقلالية للجامعات في نظمها الأكاديمية والمالية والإدارية، فالجامعات ينبغي أن تتمتع باستقلالية مناسبة في أنظمتها، وتكون مجالس الجامعات برئاسة مديريها، كي تتاح الفرصة لمزيد من النمو والتطور والإبداع لكل جامعة في إطار استراتيجياتها، وبما يتناسب مع إمكاناتها ومجالات تركيزها، بدلاً من أن تكون الجامعات السعودية نسخة متماثلة من بعضها.
رابعاً، من المؤمل أن يمنح هذا التغيير الفرصة لكل جامعة أن تركز على مجالات علمية معينة تتناسب مع البيئة المحلية التي تقع بها وسوق العمل المحلي الذي تخدمه. فكما أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن – على سبيل المثال - تركز على البترول وإنتاجه، فإن الجامعات الأخرى يمكن أن تركز على موضوعات ومجالات علمية معينة إلى جانب التخصصات الأساسية بالطبع، وذلك بعد دراسة إمكانات كل جامعة وطبيعة البيئة المحلية واحتياجاتها الطبيعية والبشرية والتنموية. فمثلاً يمكن أن تركز جامعة القصيم على الزراعة وصناعات الأغذية والأدوية، في حين تركز جامعة الحدود الشمالية على التعدين وتنمية المراعي الطبيعية، وتركز جامعة الجوف على زراعة الفواكه والزيتون، وتركز جامعة الملك عبدالعزيز على علوم البحار والمحيطات والأرصاد المناخية، وتركز جامعة الباحة على تعدين الجرانيت وإنتاج العسل ونحوه، وتركز جامعة جازان على تطوير زراعة الفاكهة وصيد الأسماك، في حين تركز جامعة الطائف على دراسات الحياة الفطرية، وتركز جامعة الإمام محمد بن سعود على الشريعة والدراسات الإسلامية، وهكذا.
خامساً، من المؤمل كذلك أن يؤدي هذا التغيير الجديد إلى منح الجامعات صلاحيات عقد الندوات والمؤتمرات، وكذلك صلاحيات التعاقد والتمديد لأعضاء هيئة التدريس المتقاعدين دون الحاجة إلى الرفع للوزارة، وذلك وفق أنظمة عامة تكون مرشداً وصمام أمان يحمي الجامعات من التجاوزات التي لا تخدم مصالح الجامعات، وبما لا تتعارض مع المصالح العليا للوطن.
سادساً، لا شك أن الدمج يتطلب إعادة صياغة الأنظمة واللوائح، ولعل هذه فرصة مناسبة لإعادة النظر فيها وتحديثها وتطويرها بما يحقق طموحات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – يحفظه الله - للنهوض بالتعليم والجامعات على حد سواء. والله أسأل أن يوفق الجميع لما يخدم الوطن.