رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تقييم تجربة الرعاية الصحية الأولية

يبدأ تقديم الرعاية الصحية العامة في المملكة من خلال المراكز الصحية. وتقدم مراكز الرعاية الطبية الأولية 70 في المائة من الخدمات الطبية التي تقدمها وزارة الصحة ــ كما يذكر موقع الوزارة، أي أنها العصب الأساسي للخدمات الصحية العامة. وتنتشر المراكز الصحية في شتى أرجاء المملكة، حيث تشير البيانات الرسمية إلى وجود 2259 مركزا صحيا في عام 1435، أو مركز صحي لكل نحو 13 ألف نسمة من جميع السكان. ولا يستفيد من خدمات مراكز الصحة الأولية معظم العمالة الأجنبية، كما يتمتع جزء كبير من السكان السعوديين بتغطية الخدمات الصحية التي تقدمها وزارتا الدفاع والداخلية والعاملون في كثير من المؤسسات العامة والقطاع الخاص أو ممن يؤمنون على أنفسهم. ولهذا ينخفض عدد السكان الذين يعتمدون على خدمات الرعاية الصحية الأولية إلى مستويات قد تصل إلى خمسة أو ستة الآف شخص لكل مركز صحي. وأعتقد أن أي مركز صحي قادر على تقديم خدمات صحية أولية جيدة لهذا العدد من السكان لو تمت إدارته بشكل محترف، وتم تجهيزه وإمداده بعمالة كفؤة ومعدات ومواد طبية كافية. وينبغي هنا الإشادة بجهود إنشاء المراكز الصحية وهو إنجاز كبير في مجال توفير الرعاية الأولية، ولكن وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في الرعاية الطبية الأولية يشتكي جزء كبير من مراجعي هذه المراكز من تدني نوعية الخدمات الطبية التي تقدمها معظم هذه المراكز. وهذا يشير إلى وجود خلل ما في أسلوب إدارة الخدمات الصحية في هذه المراكز، أو الموارد المقدمة لها أو أسلوب توزيعها، مما يستلزم ضرورة التمعن في تجربة مراكز الصحة الأولية، وإعادة تقييم دورها في تقديم الرعاية الصحية. وتوجد بعض الدراسات التي تقيم هذه التجربة، ولكن يعيب هذه الدراسات أنها تستخدم مؤشرات مبنية على بيانات ومخرجات كمية مجردة مستقاة من بيانات المراكز الصحية أو البيانات الرسمية. ولا تقيس هذه المؤشرات نوعية الرعاية الأولية ومدى كفاءة هذه المراكز في خفض معدلات الأمراض وتوفير رعاية صحية مرضية للمراجعين، ولا مدى نجاحها في كسب رضاهم. لقد حصل تقدم كبير في نشر البنية الصحية الأساسية وانتشرت المرافق الصحية في طول البلاد وعرضها ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك. وجاء وقت التركيز على رفع نوعية هذه الخدمات وتحسين أساليب إدارة واستغلال موارد المراكز الصحة الأولية، ورفع كفاءة العاملين في هذا القطاع.
لقد تعهدت الدولة بتوفير الرعاية الصحية لجميع فئات المجتمع، وقامت بإنشاء بنية أساسية صحية، ووفرت كميات وفيرة من الموارد البشرية والمالية من أجل ذلك، ومع ذلك تحتاج الرعاية الصحية إلى مزيد من الموارد، والأهم من ذلك تحتاج إلى تحسين نوعية الخدمات المقدمة. ولا يمكن تحسين الخدمات الصحية إلا من خلال زيادة الكفاءة الإدارية والفنية في تشغيل هذه المنشآت، والتقييم المستمر لنوعية الخدمات المقدمة. ويعمد مقيمو الخدمات الطبية إلى استخدام مؤشرات كمية لقياس مقدار التحسن في الخدمات الطبية. ومع أن توفير كميات كافية من الموارد الطبية البشرية والمادية أمر ضروري لتوفير رعاية طبية جيدة وإيصالها إلى محتاجيها، إلا أن الاعتماد كليةً على التطور الكمي لن يقود إلى تحسن كبير في نوعية الرعاية الصحية الأولية. وقد تقود القياسات الكمية بطريقة غير مقصودة إلى تدهور نوعية الخدمات الطبية، فالاعتماد مثلاً على مؤشرات عدد التحليلات أو عدد زيارات المرضى قد يؤدي إلى خفض كبير في مدد رؤية الأطباء للمرضى وارتفاع أخطاء التحليلات، مما يينتج عنه رفع معدلات أخطاء تشخيص الأمراض وتردي الأحوال الصحية لدى بعض الشرائح السكانية المستهدفة.
وتتيح زيادة الموارد الصحية وصول الرعاية الصحية إلى مزيد من الشرائح السكانية التي لا تستطيع أو تتمكن من تحمل تكاليف الرعاية الصحية في القطاع الخاص. ومن أبرز هذه الشرائح الفقراء والنساء والأطفال، أو القاطنون في أماكن بعيدة عن الخدمات الصحية. ويهدف توفير الرعاية الطبية العامة إلى تحسين ظروف معيشة ومكافحة أمراض هذه الطبقات وتحسين فرصهم في العيش الكريم ورفع إنتاجيتهم، ولكن توفير الرعاية الطبية بغير فاعلية لن يحقيق الأهداف منها. ولهذا ينبغي توفير وسائل قياس معتمدة لنوعية الخدمات الصحية المقدمة، لضمان استفادة المحتاجين من هذه الخدمات. ويشتكي كثير من مراجعي المرافق الصحية من بطء الحصول على الخدمات، والأخطاء الطبية التي تفاقمها الضغوط على الخدمات الطبية وتزيد معدلات حدوثها إلى نسب مرتفعة، مما يعقد الأحوال الصحية لعدد كبير من السكان. وهذا يتطلب ضرورة القيام بعمليات قياس نوعية الخدمات الطبية لتسهيل مراقبتها وتحديد فاعليتها وزيادة رضى المواطن تجاهها. وسيقود تحسن نوعية الخدمات الطبية إلى رفع كفاءة استخدام الموارد وخفض التكاليف، لأن ارتفاع نسب التشخيص السليم وكفاءة معالجة المرضى في المراحل الأولية سيخفض تكاليف معالجة الأمراض بشكل عام، ويرفع رفاهية الشرائح السكانية المستفيدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي