الملك سلمان وقيادة التغيير
لا يمكن اختزال الأوامر الملكية التي أصدرها الملك سلمان- حفظه الله- مساء البارحة في مقال أو تحليل سريع، وكمهتم بالتنمية والتطوير المؤسسي أرى أن أسرع وصف لها هو الحزم والقوة وإرادة التغيير. جاءت القرارات وفق رؤية عميقة وشاملة، تعكس رغبة القائد المتطلع إلى استمرار نهضة الدولة وتعزيز حضورها دوليا ومحليا، القرارات تعكس بامتياز الخبرات التراكمية لواحد من أهم قادة الحكم المحلي المعاصر لخمسة ملوك في مسيرة المملكة.
عزز الملك سلمان قبضته القوية في الحكم الرشيد برؤية جديدة وفريق عمل شاب متنوع الخبرات، معظمهم من خارج منظومة العمل الحكومي التقليدي، هؤلاء الشباب الذين يدفع بهم الملك- حفظه الله- في مجلس الوزراء أو الهيئات الحكومية الأخرى أو كمستشارين له، يراهن عليهم المهتمون بقدرتهم على إحداث نقلة في العمل الحكومي، تتناسب مع موقع المملكة ومكانتها الاقتصادية، ويمثلون نخبة من رواد المصارف والتنمية الاقتصادية باعتبارها خيارا استراتيجيا في تحقيق التفوق والتنمية المستدامة والرفاهية الاجتماعية.
أما الأمر الآخر فإنه لا يمكن لفريق العمل الحكومي الجديد، أن ينجح في ظل معوقات "بيروقراطية" متوارثة، فكان إلغاء هذا العدد الكبير من المجالس التقليدية العليا كاستجابة طبيعية للمطالب الملحة في التطوير بعد أن تسببت هذه المجالس في تشتت الرؤى واستنزاف الجهود وتأخر القرارات في دهاليز اللجان والمقررين "البيروقراطيين"، وبالتالي ضياع الفرص، وتأخر الاستفادة من نتائج مهمة لمصلحة المواطنين، ووجود المجلسين الحاليين المعنيين بالأمن والسياسة، والآخر بالتنمية والاقتصاد كاف جدا إذا ما صيغت برؤى موحدة، وانسجم أداؤها مع فريق العمل الحكومي، وهذا ليس بمستبعد إذا ما أخذنا في الحسبان أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء هي محور العمل الحكومي لكل المجالس، وبالتالي تقليص فرص الهدر والتشتت الإداري التي كانت موجودة سابقا.
ومما يميز هذه القرارات أنها جاءت شاملة للهيئات الأخرى التي تشكل أهمية اقتصادية للدولة، فقطاع الطيران المدني مثلا الذي كان يعول عليه في تحقيق ثاني أكبر دخل للدولة لا يزال من الترهل "والبيروقراطية" وبطء النمو، ولذا جاء اختيار المصرفي المتمرس "سليمان الحمدان" ليدفع بالقطاع نحو آفاق النمو السريع وصناعة الفرص والعمل وفق فلسفة السوق.
والأمر كذلك ينطبق على قطاع "الموانئ" الذي يمثل عبئا على الدولة، ويعاني مشكلات متراكمة لم تفلح معه الحلول التقليدية والجرأة في اختيار خريج "هارفارد" الشاب النشط "نبيل العمودي" لها ما يبررها مع الأخذ في الاعتبار نجاحاته المتميزة في قيادة قطاع الأعمال وتحقيق التفوق خلال عمله في شركة أرامكو.
أما التعليم الذي اختير له واحد من عرابي النجاح في عالم المال والأعمال "عزام الدخيل"، فهو ينتظر روحا جديدة من العمل الجاد والإبداع تحاكي منظومة التعليم العالمي، ولعل دمج الوزارتين يعكس رغبة الملك- حفظه الله- في تكامل الجهود بين الجامعات، وتقليص الفجوة بين التعليم العام والتعليم العالي من خلال قيادة شابة متجددة، وهذا يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت لتظهر نتائج القرار، لكن الأمر ليس صعبا في ظل وجود كفاءات وموارد بشرية في الجامعات قادرة على بلورة الرؤى وتوحيد الجهود والخروج بمنتج تعليمي يلبي الطموح.
هذه القرارات والأوامر الملكية ستؤسس لمرحلة جديدة من النهضة التنموية، وستتبعها قرارات أخرى تعزز من فلسفة المحاسبة والعمل الجاد، ولا يستغرب، فهذا سلمان رجل الحزم والعدل والحكمة.