إدارة الإصلاح الاقتصادي
حصلت قبل يوم تعديلات هيكلية واسعة النطاق في بناء الدولة الإداري. ألغيت مجالس كثيرة عليا، لتحصر في مجلسين يرتبطان بمجلس الوزراء، مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وحديثي هنا يتناول الثاني. طبعا من المتوقع أن تكون من ضمن اختصاصات المجلس الثاني مساعدة مجلس الوزراء في إدارة الإصلاح الاقتصادي والتنموي بالمعنى الواسع. والمعنى الواسع يشمل استخدام جميع ما يمكن من موارد بشرية ومادية متاحة في عملية التنمية.
السؤال كما أرى عن مدى فعالية هذا المجلس؟
هناك مشكلتان أساسيتان في فعالية المجلس. الأولى هي أن أعضاء المجلس عددهم كبير يزيد على عشرين. الثانية أنهم مشغولون بأعمال وارتباطات كثيرة، ومن ثم كيف نتوقع منهم توفير وقت كافٍ لدراسة وتنسيق ومتابعة تنفيذ ما يتوقع أنه سيناط بالمجلس من أعمال كثيرة ومتشعبة؟
الرأي أن المجلس بحاجة إلى أذرع تنفيذية تساعده على ممارسة اختصاصاته، تحت إشراف مباشر من المجلس. واقترح استحداث مناصب مساعدين تنفيذيين لرئيس المجلس، حسب الاهتمام، مساعد للموارد البشرية (تعليم وتدريب وتوظيف)، مساعد للتنمية الاقتصادية، وهكذا.
ينبغي أن يكون المساعد بمرتبة وزير، وله صلاحيات كافية في التنسيق القوي والفعال بين الوزارات المعنية الممثلة في المجلس، حسب اختصاص المساعد. مثلا، في قضية الموارد البشرية، يكون هناك مساعد للموارد البشرية، همه التنسيق الفعال بين ثلاثة وزراء، التعليم والعمل والخدمة المدنية، وما يتبع هذه الوزارات من هيئات ومؤسسات. وهو تنسيق يجب أن يضمن أو يقود إلى إحداث تفاهم وتعاون كبير وقوي بين وزراء هذه الجهات بحيث تكون جهود وزاراتهم متناسقة ومنسجمة فيما بينها، ما يمنع التناقض أو فقد التعاون. وهكذا.
لا أخفي على القراء الكرام، أنني استقيت فكرة الحاجة إلى هؤلاء المساعدين، من مصدرين. الأول حديث لي قبل أيام مع الدكتور حمد آل الشيخ نائب وزير التعليم للبنين، حيث تطرق إلى ما فهمت منه أن هناك فقدا أو ضعف تنسيق بين وزارة التعليم والمؤسسة العامة للتعليم الفني. والثاني من بنية الإدارة الأمريكية. زارنا الرئيس الأمريكي قبل أيام لتقديم العزاء في وفاة الملك عبدالله رحمه الله. ولاحظت وجود عدة مساعدين للرئيس، وكل مساعد مختص بتنسيق الجهود والأعمال بين عدة جهات تعمل في مجال أو مجالات محددة. طبعا هؤلاء المساعدون غير وزراء الرئيس.
يجب الاهتمام في اختيار المساعدين، وأن تتوافر لديهم موارد بشرية مؤهلة تساعدهم على أداء مهامهم.
من المهم جدا وأؤكد جدا أن يكون المساعدون وموظفوهم متفرغين، أما تكوين مجلس أو لجنة غير متفرغة تمثل فيها الجهات المعنية المختلفة بالطريقة المعتادة التقليدية في تكوين اللجان فلا يتوقع له النجاح في أداء الأعمال المنوطة باللجنة. ذلك لأن برنامج الإصلاح الاقتصادي والتنمية البشرية واسع جدا يتطلب إنجاز ومراجعة أعمال كثيرة بصورة مستمرة، كما أن نجاح الإصلاح والتطوير يعتمد أيضا على عوامل أخرى من أهمها، شمولية الإصلاح، وتنسيق أجزائه وانسجامها وترابطها، وسرعة البدء في التنفيذ، وتنسيقه، كما يتطلب اتصالا مستمرا بين الجهات ذات النشاط المتعلق بعمل المساعد، لمناقشة وتبادل الرأي حول قضايا الجهات التي ينسق بينها، ومتابعة ومراقبة التنفيذ بدرجة قوية، تتبعها عمليات تقويم.
كل الأعمال السابقة تتطلب كفاءات يعتمد عليها في الأداء، ولا بد لها من صلاحيات ودوام كامل أو تفرغ. ذلك لأن هناك قناعة بأن اللجان المعتاد على تشكيلها بين الوزارات تعاني مشكلتين أساسيتين، الأعضاء لا يمتلكون الصلاحيات الكافية للتنسيق الفعال، ولا يمتلكون الوقت الكافي للنظر المتمعن في القضايا المناطة بهم، بسبب عدم تفرغهم. وقد رأينا أثر هذا بالتسبب إما بتأخير إنجاز الأعمال أو البت فيها بما يتسم بالارتجال.