سلمان ملك الجيلين
أقدم التعازي إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في وفاة أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وإلى مقام الأسرة المالكة وإلى أفراد الشعب السعودي كافة في فقيده الكبير، والحمد لله على قضاء الله وقدره، ومن المناسب هنا إعادة نشر تغريدة الملك سلمان لشعب المملكة في هذا الشأن، حيث كتب ـــ حفظه الله لأمة الإسلام وسدد على الحق خطاه: "رحم الله عبدالله بن عبدالعزيز وجزاه عن شعبه خير الجزاء وأحسن عزاء الشعب السعودي في فراقه". ورغم الحزن على الملك الراحل فإننا دائما نحمد الله على قضائه وقدره أولا ثم نحمده كثيرا أن عوضنا بالملك سلمان الذي جاءه الملك منقادا إليه مذعنا له وبهذه السلاسة والأمان، ولنا مع تغريدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لشعبه بهذه المناسبة وقفات، حيث كتب رعاه الله: "أسأل الله أن يوفقني لخدمة شعبنا العزيز وتحقيق آماله وأن يحفظ لبلادنا وأمتنا الأمن والاستقرار وأن يحميها من كل سوء ومكروه"، ولعلها المرة الأولى في تاريخ المملكة التي يتواصل الملك مع شعبه بهذه التقنية وبشبكات التواصل الحديثة، فهل في هذا دلائل على عصر جديد من النهضة والعلم؟ هل كان قدر الملك سلمان أن يربط بين العصرين، عصر التأسيس وعصر النهضة، وأن يكون بذلك ملكا للجيلين؟
لقد مرت المملكة العربية السعودية الحديثة بالمرحلة الأولى من عمرها الذي بدأ بالملك عبدالعزيز المؤسس وقائد حملات التوحيد ومعارك التأسيس، قائد مرحلة تأليف القلوب للرضا بالوحدة وترك الفرقة والانقسام، بنى دولة كانت تحتاج إلى الكثير من الحزم والتآلف والإخاء، ثم انتقل الحكم إلى أبنائه من بعده وكلهم شهدوا سيرته وحاربوا معه واشتركوا في معارك التأسيس ورحلة لم الشمل الطويلة تلك، وكلهم شاهد بعينيه مسيرة الملك عبدالعزيز ـــ رحمه الله ـــ فكان سهلا عليهم تتبع سيرته وخطاه، ولقد كان الحكم ينتقل من أبناء عبدالعزيز الكبار إلى الذين يلونهم في السن والخبرة والحكمة والتجربة الإدارية والعسكرية، واستمر هذا أكثر من 100 عام، واليوم ولأول مرة في تاريخ الدولة السعودية تظهر على ساحة الحكم ولاية ولاية العهد وتكون لأحد أحفاد عبدالعزيز وهو الأمير محمد بن نايف، وهذا تحول مهم جدا وله ما بعده من آثار على جميع الأصعدة.
هذا التحول يعد – بلا شك – من أهم الفترات التي تمر على الأمم وهو الانتقال من جيل المؤسسين إلى الجيل الثاني، وكي ينجح التحول فلا بد للجيل الثاني أن يدرك بنفسه كل مراحل التأسيس حتى وإن لم يشارك فيها فإذا لم يرها فيجب أن يتشبع بفكرها، ذلك أنه لم يعد يعيش في مرحلة التأسيس التي انتهت بل يعيش مرحلة ما بعد التأسيس أي مرحلة النهضة الشاملة، فلم يعد التأسيس هاجسا بل المحافظة عليه واستمرار نهج البناء هو الهاجس اليوم، والسبب وراء هذا الهاجس يأتي من تغير الأجيال، فجيل التأسيس بكل طوائفه قد أدى واجبه تماما فمنهم من توفي إلى رحمة الله ومنهم من ينتظر، وهو حال الأمم والشعوب، ويأتي الجيل الثاني للدولة أو جيل النهضة الذي لم يشهد كثيرا من أحداث التأسيس، ولم يعاصر تلك الوقائع ويتشرب فكرها، لذلك يأتي القلق من ألا يكون حرصه على لم الشمل واستمرار البناء كما كان عند من جاهد في ذلك وسهر عليه، تسقط الأمم والشعوب في مرحلة الانتقال هذه، إلا إذا رحمها الله بمن يستطيع الربط بين الأجيال، وفي المملكة يأتي الملك سلمان في وقته وكأنما خلقت له وخلق لها.
المعروف عن الملك سلمان أنه رجل فكر يهتم بالتاريخ والعلم منذ صغره، وهو من أكثر ملوك المملكة اهتماما بالكتاب ونشره، وهو الذي اهتم كثيرا بتدوين تاريخ المملكة العربية السعودية، ونشر ثقافتها، وترسيخها، فهو عاشق لهذا التراث عشقه المعروف لمدينة الرياض ومنطقتها التاريخية، فهو الأقدر اليوم على أن يكون على هرم الحياة السياسية والاجتماعية في المملكة في ظل التغيرات الهائلة التي تمر بها المملكة، وفي ظل طغيان لثقافة العولمة وذوبان الشعوب في ثقافة عالمية هشة تقودها وسائل التواصل الاجتماعي، إننا بحاجة اليوم إلى قائد فذ شهد التأسيس ويعرف ثقافة الشعب الأصلية ويؤمن بكل التراث الذي ورثناه وقادر على حمايته، وهو في الوقت نفسه يقبل الجيل الجديد ويفهمهم ويؤمن بكل وسائل التقنية الحديثة وبكل تحدياتها، وهذا هو الملك سلمان يرسل عبارة تحمل كل المعاني الثقافية الراسخة لهذا الشعب ولكن بوسائل الاتصال الحديثة والعالمية.
لا يمكن لأحد إلا أن يتفاءل خيرا بتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مقاليد الحكم في هذا الوقت بالذات، ونحن ننتقل إلى الجيل الثاني من أجيال الدولة السعودية، ونحن نثق بالله أولاً وأخيرا ثم بقيادة هذا الملك المثقف الحكيم الحليم ليسير بالركب نحو نهضة الجيل الثاني نحو العصر الذهبي للمملكة، عصر العلم والصناعة والفنون الراقية.