وداعا أيها الملك الإنسان
في تاريخ السعوديين على مدى 84 عاما منذ تأسست هذه الدولة العظيمة ليال حزينة، ولا أبالغ لو قلت إن ليلة الجمعة واحدة من أعظم ليالي الحزن والفقد، شعب كامل يضج بالبكاء والدعاء بين مصدق ومكذب للخبر، لقد رحل الرجل العظيم الملك الإنسان وأعلن الخبر، وخيم الصمت والذهول في كل بيت.
لو كتبنا ما كتبنا فلن نستطيع إن نوفي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حقه، فقد عاش لنا طوال حياته. كان ملاذنا بعد الله وسندنا، نطمئن لحديثه ونعرف صدق مبادراته، لم يكن يناور أو يتملق أو يعزف على وتر الجماهير والشعارات البراقة، ينوي من الأفعال أكرمها ويقول حين يفعل.
قدّم كل ما يمكن تقديمه من أجلنا فبادلناه الحب الصادق والوفاء والعطاء، فطغت المشاعر الجياشة التي غمرت كل بيت وسطرت دموعها في وجوه الشباب والنساء والأطفال والمسنين كحدث فارق وطبيعي لحبنا الجارف له.
لقد بكى السعوديون مليكهم بصدق، وفتحوا أبوابهم للعزاء، وسطروا في مواقع "التواصل الاجتماعي" أصدق عبارات الرثاء التي تترجم لوعة الفقد، لم تتوقف ألسنتهم عن الدعاء والإشادة بمآثر هذا الأب العظيم وذكر منجزاته في مسيرة التنمية التي تحققت خلال فترة توليه الحكم في السنوات العشر الماضية، فهذا يذكر أمرا خاصا بمساعدته، وآخر يذكر حفل افتتاح جامعته، وثالث يذكر قرار ابتعاثه، وأخرى تذكر اختيارها في منصب قيادي، وقس على ذلك مواقف لا تكفيها الكلمات من المواقف الإنسانية الخالدة. فأي ملك كنت يا عبد الله بن عبد العزيز!
كل هذه المشاعر وهذه المواقف لم يكتبها السعوديون وهم تحت رقابة الأجهزة الأمنية، ولا تحت سيطرة أجهزة المخابرات البوليسية كما يحدث في بعض الدول، ولكنه الحب الحقيقي والوفاء لقائد عظيم سكنوا قلبه فسكن قلوبهم.
سنوات قصيرة في حكم الملك الصالح طويلة بالعطاء والبناء، أثمرت نهضة تنموية ومبادرات استراتيجية وإصلاحية رسخت ريادة المملكة محليا ودوليا.
اهتمام بالأمن وكسر شوكة الإرهاب، ومكافحة الفساد، واهتمام متسارع بالتقنية، والتخصيص وهيكلة أجهزة الدولة، وتحديث الأنظمة، وتوسيع مجلس الشورى، وهيئة البيعة والحوار الوطني، مشروع الابتعاث الضخم، والجامعات التي تجاوزت 30 جامعة، مدن طبية ومستشفيات متخصصة، مدن رياضية ومشاريع شبابية، مبادرات ثقافية ومشاريع سياحية، مشاريع القطارات، تطوير القضاء، وتوسعة الحرمين وبرنامج الإسكان الطموح، وغيرها الكثير والكثير. وعلى المسار الدولي برامج المساعدات الدولية التي لم تنقطع، وتعزيز قيم الحوار والسلام، والدبلوماسية النشطة التي ظلت تقاوم بقوة مؤامرات متصاعدة لتفكيك العالم العربي واستهداف وطننا ووحدته العظيمة.
سيظل الملك عبد الله بن عبد العزيز واحدا من رجال التاريخ العظماء وستظل مآثره صفحات خالدة من نور وقصة رخاء نرويها لمن هم بعدنا.
ويجب ألا ننسى كثيرا من الرجال المخلصين الذين كانوا محل ثقة الراحل الكبير ساعدوه في إنجاز مشروعه التنموي الضخم بدءا بإخوانه الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله، والأمير مقرن بن عبد العزيز، ووزراء الدولة الثقات الذين عملوا معه، وكذلك مستشاريه ورجال الديوان الملكي ومنهم خالد التويجري، ومحمد العيسى، ومحمد السويلم، وحمد العوهلي، والأمير بندر بن سلطان، والأمير منصور بن ناصر، والأمير فيصل بن عبد الله وآخرون لا نعرفهم لكنهم في صفحات التاريخ البيضاء المنصفة.
عزاؤنا في هذا الفقد أن مسيرة البناء والرخاء ستستمر بوجود الملك الحكيم سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير مقرن وولي ولي عهده الأمير محمد بن نايف، حفظهم الله جميعا وأدام علينا نعمه.
ولا أقول سوى رحمك الله أيها الأب العظيم فحزن رحيلك عميق عصي على الوصف وعزاء غيابك طويل طويل.