رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل المصلحة الفردية تتجاوز ثوابت ومصلحة المجتمع؟

بين فينة وأخرى يظهر على الناس، في هذا المجتمع، أو ذاك من العالم العربي، والإسلامي من يلقي أطروحة يصعب على الفرد المحايد أن يجد لها تفسيرا موضوعيا يستند إلى الواقع، وسياقها التاريخي، بما فيه من متغيرات، وعوامل يصعب تجاهلها، أو مستندات شرعية يجب الالتزام بها واحترامها، أو مصلحة يستفيد منها الناس في معاشهم، وتنعكس آثارها على حياتهم صحة، ومعرفة، واقتصادا. أطروحات فجة لا يجد المرء تفسيرا لها ولا عذرا لأصحابها، فما القيمة التي تضيفها قضية إرضاع الأجنبي الكبير، أو المعاشرة الجنسية للزوجة المتوفاة، وهل خلت الأمة من المشكلات الاقتصادية، والاجتماعية والسلوكية ليجد من يتحدث عن هذين الموضوعين نفسيهما بلا مواضيع تستحق البحث والدراسة، أم أن القصور الشخصي ألجأهما لهذه المواضيع التي لا تزيد الأمة إلا تخلفا فكريا وحضاريا.
خلال أيام مضت طرح أحد الأفراد في مجتمعنا موضوعا لا يحتاج إلى اجتهاد، فالحكم بَيِّن وواضح فيه، ألا وهو الخمر، فكيف إذا صدر الرأي من شخص ليس له باع، ولا شبر في العلم الشرعي، وهذا الطرح تكرر مثله في الكويت حين صور أحد الكويتيين المجتمع الكويتي بتسامحه في معاقرة الخمر، والاثنان تجاهلا ثوابت المجتمع التي تعتز بها الأجيال أبا عن جد، مصادرين بذلك انتساب عموم أفراد المجتمع وتمسكهم بدينهم وتوجيهاته، منكرين نصوصا قطعية، وآثارا سلبية على الفرد، والمجتمع على حد سواء، وكان لهذا الطرح ردود فعل لدى الكثير من أبناء المجتمع خاصة عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
من حق المراقب أن يتساءل بشأن هؤلاء الذين يظهرون علينا في بعض الأحيان بأفكار وآراء ليست غريبة فقط، بل شاذة وصادمة، هل هؤلاء يسعون لمصلحة المجتمع تلاحمه وصلابته، أم يسعون لدق أسافين الفرقة والتمزق والتناحر، في يقيني أن لحمة المجتمع لا تتحقق بعدم وجود ثوابت يلتقي حولها الناس، فالثوابت تمثل البنية النفسية، والفكرية التي تتشكل من خلالها وبها النفس والعقول، خاصة إذا كانت الثوابت ذات أساس عقدي، وليست نتاج اجتهاد بشري. وإذا كان الأمر غير ذلك، فما الهدف؟! هل هدفهم جذب الانتباه إليهم سعيا وراء الأضواء ومحاولة التميز الكاذب؟! قد أفهم، ولا أقول أقبل أن يمارس الفرد ممارسة خاطئة، لكنه لا يخرج على الملأ وينادي أو يفتي بحل وسلامة الممارسة.
في إحدى القنوات العربية، وقبيل رمضان تعرض دعايات لفنادق، ومطاعم، وكازينوهات، حيث تقول الدعاية سحور راقص، وأحيانا سحور على أنغام الموسيقى، وللإغراء تضاف الأرجيلة للعناصر التي تقدمها الدعاية، السؤال إزاء مثل هذه الأطروحات، كيف يتجرأ البعض، وهم ينتسبون لمجتمعات متدينة لها ثوابت على طرح آرائهم الصادمة لمجتمعهم، فهل القناعات الفردية تفرض على عموم الناس، وتجرح المشاعر وبشكل استفزازي مستهجن. الوسيلة الإعلامية تبحث عن الربح في طرحها لهذه الدعاية، لكن في الوقت ذاته لها آثار سلبية؛ إذ تمثل تجاوزا على الثوابت الاجتماعية، وجرحا لمشاعر الكثير من المشاهدين.
توقفت وتأملت في دعاية السحور الراقص، فالقناة عربية، والجمهور المشاهد في معظمه جمهور عربي مسلم لديه منظومة قيم ترفض الأطروحات التي تهين مقدساته، وتسعى لإضعاف منظومة قيمه، ويجتهد لمحاربة مثل هذه الأطروحات الشاذة وأصحابها، لكن الجهود الفردية لا تكفي للجم هؤلاء، وإيقافهم عند حدهم حتى لا يكرروا جرأتهم على الثوابت.
ربما يقول البعض إن هذه الأطروحات حرية شخصية وحرية إعلام، لكن هذا التبرير ليس صحيحا، فالممارسة الشخصية المستترة تختلف عن الآراء التي تحلل حراما وتحرم حلالا، خاصة إذا كان من يقول بمثل هذه الأطروحات ليس من أهل العلم والتقوى والورع، ما يجعل آراءهم إثارة بلبلة وتشويشا للرأي العام وإضرارا بالمجتمع، ويضعف تماسكه القائم على ثوابت الدين.
الحرية الشخصية، وكذلك حرية الإعلام أمور لا جدال فيها، لكن لكل أمر حدود؛ إذ لا يمكن أن تتجاوز حرية الفرد حرية الآخرين، أو حرية المجتمع بكامله، وحتى في أعرق المجتمعات، الحرية الشخصية تنتهي في أول لحظة تتأثر فيها حرية الآخرين، وما يقال عن الحرية الشخصية يقال عن حرية الإعلام الذي يفترض أن يكون حارسا أمينا لقيم وثوابت وثقافة المجتمع. مسؤولية الكتاب، وأصحاب الرأي والفكر، وذوو التأثير الاجتماعي، وملاك وسائل الإعلام، والجهات الرقابية يفترض أن ترتقي لما فيه مصلحة المجتمع بدلا من الركون إلى دائرة المصالح الشخصية الضيقة، سواء كانت مصالح مادية أو مكتسبات معنوية لا تلبث أن تزول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي