رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


دول الخليج .. الخصائص والتمويل (1)

تعج وسائل الإعلام والمرجعيات العلمية بعديد من المقالات والتقارير التي تتحدث حول آليات تمويل الخدمات الصحية. فمثلا، تمول الدول عالية الدخل (عادة تصنف أنها دول متقدمة) خدماتها الصحية عبر الضرائب، أو عن طريق الاقتطاع من الراتب، أو غيرهما من الطرق التي تشترك في كون الناس مصدر التمويل. أما الدول محدودة الدخل (عادة تصنف أنها دول تحت التطور أو نامية)، فإن المعونات الخارجية من أهم مصادر تمويل خدماتها الصحية. مع الأسف فإن الحديث حول تمويل الخدمات الصحية في دول الخليج العربي ظل محدودا. ولعلي في هذا المقال أتطرق إلى بعض خصائص دول الخليج التي أثرت في تمويل خدماتها الصحية.
تتفرد دول الخليج العربي في تمويل خدماتها الصحية بخصائص عدة تشترك في بعضها مع خصائص الدول المتقدمة، كما تشترك في الخصائص الأخرى مع الدول التي تصنف أنها دول في طور النمو. فمثلا تشترك دول الخليج العربي مع الدول المتقدمة في كونها دولا عالية الدخل بحسب تصنيف البنك الدولي، كما تشترك دول الخليج العربي مع الدول محدودة في كون مصدر تمويل خدماتها الصحية مصدرا خارجيا. فتمول الدول محدودة الدخل خدماتها الصحية بشكل كبير من مصادر خارجية كمعونات الدول المتقدمة، بينما تمول دول الخليج العربي خدماتها الصحية من مصدر خارجي وناضب في الوقت نفسه ''البترول''. كما أن معظم الدول الخليجية تشترك في معاناتها مع الدول محدودة الدخل في عدم كفاءة أنظمتها وأجزائها الإدارية بما في ذلك الأنظمة الصحية. هذه الحقيقة لا تتعارض أبدا من كون دول الخليج العربي من أكثر الدول العربية استثمارا في مواردها البشرية بحسب تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بالتنمية البشرية الصادرة لآخر خمس سنوات.
كما تتميز دول الخليج العربي بخصائص فريدة تختلف فيها عن خصائص دول مرتفعة الدخل أو محدودة الدخل. فمثلا تتميز معظم دول الخليج العربي عن غيرها من الدول كون عمالتها الوافدة تصنف على أنها أقلية، كما تصنف تلك العمالة على أنها أكثرية بغض النظر عما تشكله من نسبة مرتفعة من المجموع الكلي للسكان (تشكل العمالة الوافدة أكثر من 80 في المائة لدى بعض الدول الخليجية كما تشير بعض التقارير العمالية الصادرة من الأمم المتحدة).
لا شك أن تمازج خصائص دول الخليج بين الدول مرتفعة الدخل والدول محدودة الدخل انعكس بشكل مباشر على الخصائص التمويلية لدول الخليج العربي على النحو التالي:
أولا: تشترك دول الخليج العربي مع الدول المتقدمة في أن الإنفاق الحكومي على الصحة يشكل النصيب الأكبر من مجموع الإنفاق العام على الصحة. فإحصاءات منظمة الصحة العالمية تدل على تقارب بين دول الخليج العربي والدول عالية الدخل في نسبة الإنفاق الحكومي من الميزانيات الصحية. فتشكل النفقات الحكومية على الصحة لدول الخليج العربي أكثر من 70 في المائة من مجموع نسبة النفقات الصحية، بينما تشكل نسبة الإنفاق الحكومي للدول عالية الدخل 62.2 في المائة من مجموع الإنفاق الحكومي. لكن هذه النسبة لا تعني إطلاقا أن دول الخليج العربي تنفق أعلى على الصحة مما تنفقه الدول عالية الدخل. فمثلا وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة إجمالا لدول الخليج العربي في حدود 857 دولارا، بينما تنفق الدول عالية الدخل في حدود 2609 دولارات. لكن نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة لدول الخليج إجمالا أعلى مما تنفقه الدول فوق متوسطة الدخل أو دول الشرق الأوسط.
في الجانب الآخر، فقد قاد ارتفاع نسبة العمالة الأجنبية في دول الخليج العربي من مجموع السكان العام إلى استخدام دول الخليج عدة طرق للحد من استخدام العمالة الأجنبية خدماتها الصحية الحكومية، خصوصا أن دول الخليج العربي تقدم خدماتها الصحية مجانا لمواطنيها. بعض هذه الطرق أدت إلى ارتفاع الدفع المباشر للخدمات الصحية (كاش) من مجمع نفقات القطاع الصحي الخاص. هذه الخاصية تشترك فيها دول الخليج مع الدول محدودة الدخل، وهي الخاصية الثانية من خصائص دول الخليج العربي. فمثلا تتجاوز نفقات الدفع المباشر (الكاش) في بعض دول الخليج 50 في المائة من مجمل نفقات القطاع الخاص، في ظل عدم نضج القطاع الخاص الصحي في مجمل دول الخليجي العربي.
ثالثا: ما زالت نظم تمويل الخدمات الصحية في دول الخليج تحت النمو. فمثلا، ما زالت دول الخليج العربي تعتمد بشكل كبير في تمويل خدماتها الصحية على مصدر قابل للنضوب وهو البترول كما أسلفت سابقا (تشكل مدخولات النفط أكثر من 80 في المائة من مصادر تمويل ميزانيات الصحة). ففي السنوات التي وصل فيها سعر النفط لمستويات متدنية، كانت الميزانية الصحية متدنية أيضا كما تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية.
لا شك أن بعض الدول الخليجية حاولت استخدام أكثر من طريقة لتمويل خدماتها الصحية، من أجل تنويع مصادر تمويل خدماتها الصحية، إلا أنها لم تستقر على طريقة تمويل محددة. فمثلا بعض دول الخليج العربي كقطر تمول بعض نفقاتها الصحية - وإن كان بشكل محدود أو جزئي - من دخول الضرائب كضرائب الخطيئة sin taxes (وهي الضرائب المفروضة على القمار والكحوليات والتدخين). لكن بعض دول الخليج العربية كالمملكة العربية السعودية لم تستخدم الضرائب المفروضة على التدخين كجزء من مصادر نفقاتها الصحية، على الرغم من أنها الرابعة عالميا في استهلاك التبغ حسب ما ذكر أحد التقارير الصادرة عام 2012.
لكن قد تكون دول الخليج العربي نجحت جزئيا ليس في إيجاد بدائل تمويلية جديدة، ولكن في الحد من استخدام الخدمات الصحية الحكومية من قبل العمالة غير الوطنية. فمثلا تتبنى دول الخليج العربي استراتيجية شبه موحدة في أن يتحمل أرباب الأعمال دفع تكلفة الرعاية الصحية لموظفيهم، وإن اختلفت كل دولة في السياسات التي تنتهجها لتحقيق هذه الغاية. فمثلا تعتبر المملكة العربية السعودية من أوائل دول الخليج العربي التي ألزمت كل شركات القطاع الخاص بتطبيق التأمين الصحي على العاملين لديها، ما حد بصورة غير مباشرة من استخدامهم الخدمات الصحية الحكومية. وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي