جامعة الأميرة نورة ومخاض التحول
ليس أكثر إحباطا على أحد نجح في تحقيق إنجاز مميز تحت ظروف استثنائية وتحديات معيقة من أن يواجه بالنقد السلبي بدل التقدير والإشادة والثناء، بسبب ضعف فهم الناقد وعدم تكلفه عناء البحث والتقصي عن دقة ما قاله من خلال الإعلام التقليدي أو الإعلام الرقمي أو التواصل المباشر مع الآخرين للمرحلة والسياقات التي يمر بها الفرد الناجح، أو المنشأة التي يديرها.
الثناء والتقدير والإشادة يطلق عليها البعض "السحر الأبيض"، لما لها من دور كبير في تعزيز نفسية صاحب الإنجاز وسعادته وحثه على المزيد من الإنجازات الناجحة والابتكار والإبداع، والعكس صحيح بطبيعة الحال، ولك أن تتخيل وقد حققت الامتياز في مدرستك في شتاء قارس في منزل لا إنارة ولا تدفئة فيه، مع نقص في الطعام، ثم لا يثني مجتمعك الذي تعيش فيه عليك لهذا الإنجاز في هذه الظروف، بل ينتقدك لذهابك للاختبارات بملابس تنقصها القيافة، ولم تكن حسن المظهر كبقية الطلاب، بكل تأكيد ستصاب بالإحباط، وقد يؤثر ذلك في مستوى أدائك مستقبلا.
لا أخفيكم أن المزاج العام في بلادنا تجاه كافة المؤسسات مزاج سلبي، حيث يبحث الكثير عن الزلات والأخطاء والهفوات ـــ وهي أمر طبيعي لكل من يعمل ــــ ومن ثم تضخيمها حتى وإن كانت المعلومات غير صحيحة، أو صحيحة إلا أنها غير دقيقة، لأنها أخرجت من سياقاتها ونشرها من خلال وسائل الإعلام ودعوة الآخرين للتعليق عليها، عبر تحريك العواطف بعيدا عن العقل والمنطق، وهو أمر جد سلبي، لأنه يشيع حالة من السخط وعدم الرضا في المجتمع، وهذه حالة لا يرتضيها عاقل لبلاده، لآثارها المحبطة على الجميع.
هناك إنجازات تتخللها أخطاء وهناك إخفاقات يتخللها بعض النجاحات، وعلينا أن نعرف الإنجاز ونثني عليه وعلى من حققوه، ولا ننظر لأخطائهم الطبيعية المتوقعة، ونعرف الإخفاق وننتقده وننتقد من كانوا وراءه، ونطالب بمحاسبتهم، ليشعر الجميع أنهم في بيئة منصفة تثني على الإنجازات وتنتقد الإخفاقات، لنشجع الناجحين على المزيد من النجاحات وتحفز الفاشلين على الخروج من حالة الإخفاق لحالة النجاح، وتعاقب من يصر على الإخفاق لأي سبب كان.
جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن التي تعتبر صرحا علميا نسائيا عملاقا نادرا في المنطقة، أنشئت خلال سنتين فقط وتسلمت مبانيها الإدارة الحالية عام 1432هـ، والجامعة تمر منذ هذا التاريخ بمرحلة "مخاض التحول" على مستوى تسلم وتشغيل جميع المنشآت، ومعالجة ملاحظاتها وصيانتها، في ظرف تأخر فيه بعض المقاولين عن الوفاء بالتزاماتهم من جهة وقت التسليم "المستشفى الجامعي ما زالت أجزاء منه في مرحلة التسليم"، كما مرت بمرحلة التحول في نظام القبول والتسجيل من جهة عدد الطالبات "تقبل حاليا 12 ألف طالبة سنويا" ومن جهة فرز الطالبات على كلياتها الجامعية الـ 14 أو على كليات خدمة المجتمع بعد المرور بالسنة التحضيرية، التي نجحت الإدارة في استكمالها وتشغيلها في وقت قياسي.
مرحلة مخاض التحول أيضا تطلبت إعداد استراتيجية متكاملة للسنوات العشر المقبلة بالمواءمة مع استراتيجية آفاق للتعليم العالي وخطة الدولة الخمسية، وبالتعاون مع جملة من الجامعات غير الناشئة مثل جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وغيرها، وهي مهمة تستهلك الكثير من الوقت والجهد والتكاليف للوصول إلى الفاعلية والكفاءة المثلى، وقد استكملت الاستراتيجية خلال سنة واحدة فقط، في حين استهلكت بعض الجهات سنوات امتدت لخمس وعشر سنوات.
مرحلة المخاض مرت وما زالت تمر بعملية مواءمة مسارات التعليم في الكليات مع متطلبات سوق العمل النسائية من جهة ومرحلة المواءمة بين مستويات الكليات السابقة المتخصصة في تخريج المعلمات والكليات الجديدة عالية الجودة مثل الكليات الصحية والكليات التي تقع بين المنزلتين، وهي مرحلة تشهد تحديات كثيرة ولجانا متعددة وعملية معالجة للكوادر الإدارية وأعضاء هيئة التدريس، لا يعرف تحدياتها إلا من مارسها، واستقطاب أعضاء هيئة تعليم جدد مميزين من النساء في وقت يندر فيه وجود هذه الكفاءات التي تتنافس عليها جميع الجامعات التي توسعت في مجال تعليم البنات.
من التحديات الكبرى التي تعمل فرق العمل على التصدي لها مشكلة تشغيل مستشفى الملك عبد الله التعليمي التابع للجامعة، الذي أسس على معايير "مايو كلينك" في أمريكا، وكذلك من تحديات صيانة المنشآت والأجهزة والمعدات باهظة الثمن التي يجب توفير القطع المكلفة لها في الوقت المناسب، لتبقى على كفاءتها لسنوات طويلة بما يتناسب وتكلفتها، ولذلك تقوم الجامعة حاليا ببناء فريق عالي الكفاءة بتأهيله على رأس العمل مع شركة بار سونز الأمريكية التي تعمل كاستشاري حاليا لتقييم المنشآت عند التسلم وتحديد الملاحظات والإشراف على إنشاء إدارة التشغيل والصيانة وفق المعايير المعمول بها في أمريكا من جهة المتابعة والتقييم والتنفيذ.
أحد أهم مظاهر مخاضات التحول التوصية الصادرة من وزارة المالية بضرورة قيام الجامعات ومنها جامعة الأميرة نورة بتعزيز ميزانياتها من خلال الاستثمارات في الحرم الجامعي، وهو تحدٍ لا شك أنه يشغل الإدارة في أمور تمويلية وعالم الاستثمارات ومخاطرها ويستهلك من وقت الإدارة لتحقيقه، على اعتبار أن المال أكسجين الأعمال والإنجازات.
ماذا لو أضفنا حقيقة أن الإدارة النسائية لجامعة بهذا الحجم هي تجربة حديثة وغير مسبوقة، ولا موروث سابقا لها يمكن الاستفادة منه، ولكن وللأسف الشديد فإن البعض ولأسباب متعددة يتناسى كل ذلك، وبدلا من أن يدعو جميع الجهات ذات الصلة بالتسلم والتشغيل بتقديم جميع أشكال المساندة والدعم لكيلا يتعثر هذا الصرح الكبير نجده ينتقد في أمور سطحية جانبية، يكبرها لغاية في نفسه.
ختاما: أجزم أن جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن ستكون مصنعا منتجا في القريب العاجل للقيادات النسائية اللواتي مارسن العمل تحت الضغط، وفي ظروف استثنائية داخلية وخارجية، ما سيرفد البلاد بنوع متمرس من القيادات النسائية في جميع المجالات ـــ بإذن الله ــــ وعلينا الصبر والدعم والمؤازرة والإنصاف.