الإرهابي (2)

في مقالي السابق حدثتكم عن ذلك السؤال الذي أمسك بتلابيبي يسألني بإصرار وقوة!
من الذي يصنع الإرهابي؟ وهل من الممكن أن يعود الإرهابي إلى أسرته ومجتمعه ووطنه من جديد؟
وعدتكم أن أخبركم بالجواب الذي توصلت إليه، والذي قد يبدو غير منطقي عند البعض وقد لا يبدو كذلك عند البعض الآخر، إنه "عدم الاستماع"، حين أمرنا الله تعالى أن نستمع للقرآن حين يتلى، فلم يقل لنا "اسمعوا" بل قال "استمعوا"، والفرق شاسع بين هذه وتلك، فنحن غالبا نسمع أبناءنا وبناتنا وأطفالنا حين يتحدثون إلينا ولكننا نفعل من دون تركيز، بل ربما البعض "يزهق من الصجة" فيسكتهم، أما الاستماع فهو التركيز التام مع المتحدث ومع مشاعره وانفعالاته وفهم ما يتحدث به واستيعابه.
غالبا الشخص الإرهابي ــ وأنا هنا أقصد الإرهابيين المنفذين للعمليات الإرهابية وليسوا المخططين ــ هو شخص مهزوز داخليا ويفتقد الثقة بذاته ومن السهولة السيطرة على أفكاره وتوجهاته، ولذلك حين تزداد الضغوط المادية والوظيفية والأسرية والمجتمعية عليه ولا يجد من يستمع إليه ويتفهم ما يدور بداخله، فإنه يبحث عن أي فرصة سانحة ليوهم نفسه والآخرين من حوله بأنه شخص مهم في الحياة، وغالبا مثل هذه الفرص لا تتأخر، فالعقول المدبرة في عالم الإرهاب تعرف تماما كيف تقتنص ضحاياها، "فتنفخ" فيهم روح الهمة والعظمة المزيفة وتوهمهم بأن هذه العمليات البطولية التي سينفذونها ستخلد ذكراهم للأبد، وستعيد للإسلام مجده وعزته، ولذلك يقبل الإرهابي أن يربط حزاما ناسفا حول خصره يفجر به أبرياء قد يكون من بينهم أطفال ونساء وأيضا مسلمون!
ــ هذا الإرهابي قد يكون طفلا معنفا عانى سوء معاملة أسرته له، وتقزيمها لأحلامه وطموحاته وتحطيمها لذاته فانغرزت بذور الكراهية والحقد في قلبه وتلقفه الإرهاب، فهل لو كان أحدهم استمع إليه وساعده وأرشده وأثر فيه، هل كان سيتغير مصيره؟!
ــ هذا الإرهابي قد يكون شابا متوقدا حماسة ورغبة في بناء وطنه، لكن بسبب ظلم ما تم فصله تعسفيا من عمله، وطال أمد معاملاته، وأفواه من يعولهم تتراقص أمام عينيه تطالبه بلقمة تسد جوعهم، فانغرزت بذور الكراهية في قلبه وتلقفه الإرهاب، فهل لو كان أحدهم استمع إليه وساعده وأرشده وأثر فيه، هل كان سيتغير مصيره؟!
مساحة المقال تجبرني على التوقف ولكن أعدكم سأكمل في مقالي القادم ــ بإذن الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي