رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل تغيرت إيران؟

المراقب للتصريحات الإيرانية الأخيرة لا بد أن يلاحظ أن مصدرها ليس القيادة السياسية ممثلة في الملالي، ولكن القيادات العسكرية المختلفة. السياسة الخارجية خاصة للبلدان غير الرئيسة ما هي إلا تعبير وامتداد وغالبا في تكامل للسياسة الداخلية.
في حالات التحول تزداد الفجوة مثل ما يحدث في إيران حاليا. عندما تأتي تصريحات السياسة الخارجية من القيادات العسكرية في وقت ليست إيران في حالة حرب، بل إن القيادات الدبلوماسية تحاول الخروج من العزلة الدولية، لذلك لا بد أن هذه التصريحات تعبير عن صراعات داخلية بين مراكز قوى سياسية أكثر منها سياسة خارجية جديدة، فالسياسة الخارجية لم تتغير في الجوهر. هذه الصراعات مصدرها تحول مهم من إيران الثورة التي يقودها الملالي إلى دولة تقودها مؤسسة أمنية ومن يدور في فلكها اقتصاديا.
أصبح ملف السلاح الذري والسياسة الإقليمية تحت هيمنة المؤسسة الأمنية والعسكرية، في ظل تآكل نفوذ رجال الدين لأسباب موضوعية.
التحليل التقليدي حول إيران يحاول أن يجد مساحة كافية بين الحكام الملالي ممثلين في المرشد الأعلى والمؤسسة العسكرية الأمنية من جهة وحكومة روحاني من جهة أخرى، ولكن الممارسة الفعلية منذ قدوم حكومة روحاني لا تختلف كثيرا في الجوهر عن حكومة أحمدي نجاد، وإن اختلفت في الطرح الدبلوماسي وبعض النواحي الإدارية. الانقسام الحقيقي هو بين السلطات الحاكمة باختلاف أطيافها السياسية وبين النخب المعارضة والأقليات التي تشكل نحو 45 في المائة من السكان، والملايين ممن ما زالوا ينتظرون ثمرات الثورة بعد جيل ونصف.
الثقافة الفارسية بطبعها مادية النزعة، ولذلك فإن قصور الأداء الاقتصادي أصبح كابوسا للطبقة الحاكمة. التداخل بين ضعف الأداء ومحاولة استغلال سقوط الدولة المركزية في سورية ولبنان والعراق واليمن جعل السياسة الخارجية قناة للتفاخر الإيراني ومورد استغلال لمساومة الدول الغربية.
تمر إيران بحالة انتقالية فريدة، فهي لم تعد ثورية، ولكنها لم تصبح دولة عادية أيضا، السبب يعود لظروف موضوعية تصاحب هذا التحول. أهم عناصر هذا التحول هو كما يقال: التغيرات السكانية دائما مصيرية، فالانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 2016 و2017 على التوالي ستكون أول انتخابات يكون أغلب المصوتين من ولدوا بعد الثورة، وأغلب السكان من الذين ولدوا بعد الحرب التي كان لها دور حاسم في تشكيل تفكير النخبة الحاكمة الآن. فلن يكون هناك مرشحان لديهما الشرعية الثورية (الثنائي القوي الخمنائي ورافسنجاني في نهاية العمر)، وستكتمل السلطة في الانتقال إلى المؤسسة العسكرية، وإن حافظ النظام على الشكليات بتنصيب مرشد جديد. أصبح النزاع على السلطة عاريا دون المثاليات الثورية ومادي النزعة وتوسعي السياسة الخارجية. لعل أفضل تعبير عن هذا التحول هو الميزانية الإيرانية، حيث المال هو دم السياسة.
أتت حكومة روحاني لتلبي رغبة الملايين في انفتاح وإصلاح اقتصادي، ولكن نزعة وأولويات الطبقة الحاكمة مختلفة. ميزانية 2015 تدل على مركزية المؤسسة العسكرية والأمنية. تبلغ الميزانية الإيرانية ما يعادل 293 مليار دولار بالسعر الرسمي للريال الإيراني، وبزيادة 4 في المائة على 2014 (سعر الصرف: 28 ألفا مقابل 35 ألفا في السوق مقابل كل دولار) كما تقدر البطالة بنحو 10 في المائة، والتضخم 18 في المائة (الأرقام الرسمية التي لا يقبلها المختصون من خارج الحكومة)، كما تفترض الميزانية أن سعر النفط 70 دولارا.
الأهم في المعادلة السياسية هو توزيع المصاريف، إذ إن هناك زيادة ملحوظة في ميزانية الحرس الثوري بزيادة 48 في المائة، بينما زيادة الجيش التقليدي نحو 2 في المائة (الزيادة في مصاريف الدفاع تبلغ 33 في المائة). كذلك هناك تقليص للدعم وزيادة في الضرائب لتعويض النقص في دخل النفط. كما ذكر علي لرجاني في موقف آخر أن 85 في المائة من الميزانية سيذهب لمصاريف ثابتة، ما يقلل الاستثمارات لدعم النمو المستقبلي. لابد أن استمرار نزول أسعار النفط، الذي يشكل نحو 40 في المائة من الميزانية سيضع الحكومة أمام خيارات صعبة، كما أن الاحتياطيات تبلغ أقل من 60 مليار دولار مع نهاية العام المالي الحالي (مارس 2015).
في عام 1978، كان الاقتصاد الإيراني تقريبا ضعف حجم الاقتصاد التركي، واليوم العكس هو الصحيح، وفي عام 2003 كان الدولار يعادل ثمانية آلاف ريال إيراني مقابل 28 ألفا رسميا و35 ألفا في السوق اليوم). التحول السياسي من جيل الثورة إلى جيل العسكر، والفشل الاقتصادي والتحول الجيلي جعل إيران مهددة داخليا، ولذلك فإن ميزانية حكومة روحاني عبرت عن خوف الطبقة الحاكمة على حساب التنمية الحقيقية ودور إيران المدني والحضاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي