أخطاء الخبراء
استضافت قناة الجزيرة الأسبوع الماضي في برنامج بلا حدود، مستشار البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة البروفيسور ممدوح سلامة. وهو شخصية قديرة وخلوقة وله خبرة طويلة في مجال النفط والطاقة. وقد حذر ممدوح من دواعي تراجع أسعار النفط. وبعد متابعة اللقاء لفت نظري بعض البيانات التي أدلى بها. وكان من ضمن هذه البيانات رقم عن واردات المملكة الغذائية من الولايات المتحدة، حيث ذكر أن المملكة تستورد أغذية بقيمة 30 مليار دولار في العام من الولايات المتحدة فقط. وتكاثر هذا الرقم وبدأت أبحث في مصادر المعلومات ورجعت إلى بيانات مصلحة الجمارك على صفحة الإنترنت، ولكن يبدو أن موقع المصلحة لا يوفر للجمهور بيانات مفصلة عن حجم التجارة مع الدول، وكأن بيانات التجارة أسرار مقدسة لا ينبغي البوح بها. ويورد موقع المصلحة بيانات عن إجمالي قيم الواردات من المواد الغذائية من العالم ككل. وقد بلغ إجمالي واردات المملكة من المواد الغذائية حسب بيانات مصلحة الجمارك نحو 90.6 مليار من جميع بلدان العالم، بينما بلغت صادراتها الغذائية نحو 12.8 مليار ريال في عام 2013، وهو آخر عام تتوافر حوله بيانات. وهذا يعني أن المملكة استوردت في عام 2013 أغذية بشكل إجمالي- ومن جميع دول العالم- تصل قيمتها بالدولار الأمريكي إلى 24 مليار دولار أمريكي. ولو خصمت الصادرات منها فهذا يعني وصول صافي استيراد المملكة الغذائية من كل دول العالم إلى 77.8 مليار ريال أو 20.7 مليار دولار في عام 2013. وقد رجعت إلى المصادر الأمريكية للحصول على بيانات حول الصادرات الأمريكية من الأغذية إلى المملكة التي تتوافر في موقع إدارة أو وزارة الزراعة الأمريكية. وأوردت إدارة الزراعة الأمريكية أن إجمالي قيمة الصادرات الأمريكية الغذائية إلى المملكة قد سجلت رقما قياسيا في عام 2014 مقداره 1.5 مليار دولار. وتتكون الصادرات الأمريكية بشكل رئيس من الحبوب وفول الصويا ومنتجات الألبان وزيوت الخضار. ورجعت إلى تصريح ممدوح فإذ هو أعلى من الرقم الحقيقي والدقيق بنحو 20 مرة. ومن المستغرب أن يرتكب خبير لديه خبرة طويلة في شؤون المنطقة خطأ كبيرا بهذا الحجم. وتقلل مثل هذه الأخطاء من قيمة تصريحات واستنتاجات مرتكبيها، وتدخل الشك في صحة كثير منها، خصوصا إذا كان الخطأ في البيانات فادحا وغير مبرر. وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي ورد في المقابلة، فقد ورد فيها كم من البيانات التي يبدو عديد منها بعيدا عن الحقيقة. فقد ذكر المتحدث مثلا أن 90 في المائة من استهلاك النفط هو في قطاع المواصلات، وهذا الكلام غير دقيق، حيث يقل الرقم عن نسبة 60 في المائة بشيء قليل، كما تشير إليه آخر بيانات مصادر شركات الطاقة العالمية الكبرى. كما أورد المتحدث أن الخليج يقدم 90 في المائة من الدعم حول العالم والبالغ 500 مليار دولار. ويبدو أن الخبير قصد هنا دعم الطاقة المباشر؛ لأن حجم الدعم في دول العالم أكبر بكثير من الرقم الذي أورده الخبير ويصل إلى عدة تريليونات. كما أنه بالغ كثيرا في مقدار الدعم الذي تقدمه دول الخليج، وجعله أكبر من ميزانية المملكة بمرة ونصف، أي أن كل ميزانيات دول الخليج تذهب للدعم بحيث لا تقوم هذه الدول بأي مشاريع تنموية أو تقدم خدمات حكومية أو تقوم بمهام دفاعية وأمنية. كما ردد الخبير بعض الأخطاء الشائعة عن تدني تكلفة إنتاج النفط في دول الخليج والعراق، وأورد أنها نصف دولار في العراق، كما ردد مع المذيع أنها 5 دولارات في دول الخليج الأخرى. وهذه البيانات قديمة جدا ومبالغ في قلتها خصوصا في العراق، حيث تفوق التكلفة الحقيقية لإنتاج النفط وتطوير الحقول - ودون التكاليف البيئية - هذا الرقم مرات عديدة. كما أخطأ الخبير أيضا في ترتيب روسيا بين الاقتصادات العالمية، حيث ذكر أنها السادسة على مستوى العالم على الرغم من كونها التاسعة في حجم الناتج المحلي الإجمالي، كما تشير إليه البيانات الدولية، وستحل الهند محلها في عام 2014 وتتراجع روسيا إلى المركز العاشر.
ومع كل هذه الأخطاء انتقد الخبير- وبشكل مؤدب- سياسة المملكة حيال أوضاع النفط الحالية وإصرارها على الحفاظ على حصتها في الأسواق، وكأن المملكة الدولة الوحيدة المنتجة للنفط في العالم. صحيح أن المملكة تنتج ثمن الإنتاج العالمي من النفط، ولكنها لا تتدخل في السياسات النفطية لباقي العالم، وإذا أراد بقية المنتجين الدفاع عن الأسعار فهذا حقهم، ولن تمنعهم المملكة من القيام بذلك، وباستطاعتهم خفض إنتاجهم فهم يتحكمون في سبعة أثمان إنتاج العالم.