رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إيداع القوائم المالية .. ما له وما عليه

أخيرا أطلقت وزارة التجارة منصة إلكترونية لإيداع القوائم المالية، وهذه خطوة جيدة بشكل عام، لها عديد من المنافع التي سأذكرها لاحقا، لكن التصريحات التي صاحبت عملية إطلاق المنصة، أوجدت أجواء مشحونة مع الاتهامات التي تم توجيهها للمراجعين الخارجيين في المملكة من جهات وأشخاص لم يكن من المناسب أن تصدر منهم. أحد هذه التصريحات يقول بأن المشروع "سيحد من الممارسات المخلة بما فيها التزوير في تلك القوائم"، وهذا تصريح رسمي لصحف رسمية. تصريح آخر يقول، إن "النظام يستطيع "كشف المخالفات". تصريح ثالث يؤكد أن النظام سوف يحد من حالات التزوير ومن التلاعب. وكل هذه التصريحات وغيرها مما ملأ الصحف صدرت عن جهات تراقب أعمال الشركات، بل بعضها ملزم بتدقيق القوائم المالية وكأنها حقيقة مدرسة المحاسبة والقوائم المالية في المملكة وواقع مهنة مراجعة الحسابات. ولكني شخصيا أرفض أن يكون هذا هو واقع المهنة في المملكة، وأرفض التصريحات التي جرمت المهنيين بلا دليل، ليس لأنه لا يوجد مخالفات مطلقا، بل لأنها تصدر عن مثل هذه المؤسسات الرقابية، كما أن الادعاء بأن المنصة ستعالج كل المشكلات فهذا عليه الكثير من التحفظ عندي للأسباب الآتية.
1 - سأبدأ بأهم نقطة وهي التصريح بأن إيداع القوائم المالية سيحد من تزوير القوائم المالية. وشخصيا لا أعتقد أن هناك اقتصادا عالميا سيواجه خطرا في المعلومات المالية أكبر من خطر تزويرها، فهل لدى الجهات الرقابية في المملكة معرفة بأن هناك تزويرا في القوائم المالية، وكم حجمه وتكلفته على الاقتصاد، أو أن هذا مجرد ادعاء وظن لا دليل على صحته؟ إذا كان هناك معرفة موثقة بهذه الحالات فلماذا لم يتم تنفيذ الإجراءات القانونية ضد من تورط فيها خاصة أن مثل هذه الأفعال تمثل مخالفة جنائية خطيرة وعلى كل المستويات. وبالرغم من خطورة تهمة التزوير إلا أنه من المؤكد عندي بأن تزوير القوائم المالية لا يمكن أن يتم من خلال المراجع الخارجي، وهذا مطلقا وأنا به زعيم. ذلك أن التزوير معناه تحريف وتعديل غير مصرح على النسخ الأصلية للقوائم المالية التي اعتمدها المراجع بنفسه، فلا حاجة له للتزوير، بينما يستطيع أن يعدل القوائم المالية الأصلية وفقا لما يراه خلال عملية المراجعة، إضافة إلى أن المعايير تعطيه الحق في التعديل حتى بعد صدور القوائم المالية. إضافة إلى كل ذلك، وإذا كان الادعاء صحيحا وموثقا بأن هناك من قام بتزوير القوائم المالية، فهذا يشير إلى أن الإجراءات القائمة قادرة بذاتها على اكتشاف التزوير فما حاجتنا إلى نظام إيداع القوائم المالية في هذا الخصوص؟
2 - هناك ادعاء بأن المراجعين يقومون بالتلاعب في القوائم المالية، والتلاعب غير التزوير وعادة يتم من قبل إدارة الشركة، ومرة أخرى هل هناك دليل ملموس بأن المراجعين (وليس الإدارة) هم من قام بذلك؟ إذا كان هناك مثل هذا الدليل فكيف تم اكتشافه دون نظام الإيداع؟ وعندما تم اكتشاف هذه العمليات من التلاعب ماذا فعلنا؟ وإذا حدث أن تم اكتشافها من قبل نظام إيداع (مع تحفظي التام على ذلك) فهل سيتم التعامل معها كما تم التعامل مع السابقة، أي بسياسة غض الطرف؟
3 - المخالفات والتلاعب في القوائم المالية موضوع معقد وشائك جدا، وهناك أنواع منها. فهناك تلاعب بسبب مخالفة المعايير المحاسبية، وهناك مخالفات بسبب ما يسمى بالمحاسبة الإيداعية، وهناك مخالفات عن طريق أساليب تمهيد الدخل وإدارة الأرباح، أي من هذه الموضوعات يستطيع نظام الإيداع أن يسيطر عليه؟ وكيف؟
4 - النظام يستند على لغة XBRL والهدف منها هو عرض الأرقام التي يقوم المحاسبون في الشركات بإدخالها بطريقة قابلة للمقارنة بين شركة وأخرى داخل القطاع أو بين شركات في قطاعات مختلفة أو بين السنوات، هذا هو معنى لغة البيانات القابلة للتمدد. فالمشكلة التي تواجهنا دائما هي تجميع قوائم مالية من شركات مختلفة في قائمة واحدة مقارنة ومن ثم تحليلها. لتنفيذ ذلك نحن بحاجة إلى نقل كل قائمة إلى ورقة عمل "اكسل" ثم مقارنة وتجميع البنود ببعضها البعض وتحليلها وكل ذلك يتم بتدخل بشري كامل، أي أن مثل هذا التحليل يحتاج إلى جهد كبير، ووقت. وفقا للغة XBRL يمكن للحاسب الآلي أن ينفذ كل هذا وببساطة متناهية. لكن المشكلة التي تواجه XBRL هي المعايير التي سيتم تطبيقها، فإذا اختلفت معايير العرض والإفصاح التي تطبقها الشركات فإن المعلومات التي سينتجها البرنامج مضللة وغير قابلة للمقارنة. فإذا حدث وكان هناك تلاعب في المعلومات المالية التي تم إدخالها للنظام وبسبب تلاعب الإدارة أو مخالفة المراجع للمعايير أو بسبب أساليب إدارة الأرباح، أو بسبب اتباع معايير مختلفة فلن يستطيع نظام إيداع اكتشافها أبدا، وأنا بذلك زعيم. ما منافع وخدمات نظام إيداع القوائم المالية؟ يستطيع نظام الإيداع منع قيام الشركة من تعيين مراجعين اثنين (بدون علم منهما عادة) بهدف إعداد قائمتين ماليتين مختلفتين في التقديرات الخاصة ببعض البنود المالية أو باستخدام أساليب إدارة الأرباح وتمهيد الدخل بحيث تحقق كل قائمة غرضا معينا لتقديمها إلى جهة مختلفة مثل الزكاة والدخل والمصارف. وهذه الميزة يستطيع النظام الحد منها بكفاءة فيما أعتقد. لكن هذا مشروط بقبول الجهات الحكومية والمصارف واستخدامها الكفء لنظام "قوائم" أما إذا لم تقم الجهات المختلفة باستخدام هذه الميزة فلن يتحقق الهدف المنشود.
الميزة المهمة لنظام الإيداع، هو المعلومات الضخمة التي سيوفرها، ولكن هذه الميزة لن تتحقق إلا إذا سمحت وزارة التجارة للجهات المختلفة بالوصول إلى هذه المعلومات للبحث والدراسات، وهذا يتطلب من وزارة التجارة بناء نظام لتداول المعلومات المالية وأيضا بناء عقود واضحة للجامعات ومراكز البحث والدراسات من خلالها تضمن الوزارة الحق لجميع الأطراف وتمكن الجميع من الاستفادة من هذه المعلومات. كما يمكن أن تضع مستويات للوصول، فمثلا معلومات الشركات المساهمة يجب أن تكون متاحة للجميع ووفق رسوم اشتراك معينة، بينما معلومات أخرى قد تتطلب مستوى تنظيميا معينا وهكذا. وبشكل آخر نحن أمام مشروع واعد ومهم استراتيجيا لكن يجب أن نتحدث عنه بواقعية كنظام للمعلومات وليس للرقابة التي هي مسؤولية أطراف أخرى قد تستفيد من خدمات النظام وحتى يحقق النظام أهدافه المنشودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي