رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حاضنات يتيمة

مرت أكثر من عشر سنوات منذ أن سمعت لأول مرة عن أصداء فكرة الحاضنات الصناعية في المملكة، كانت الجهة الراعية هي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. خرجت بعد ذلك عديد من النماذج المختلفة للحاضنات والمسرعات التقنية والصناعية والتعليمية؛ لا أعتقد أن أيا منها تمكن من صنع الأثر الذي نطمح له حتى الآن.
على الرغم من النمو المتضاعف الذي تحظى به هذه النماذج على مستوى دول العالم ــــ سواء كان النمو في الشكل والأسلوب أو في الحجم والانتشار ـــ إلا أنها لا تزال تعاني محليا محاولة النمو في بيئة متشبعة بالمعوقات، النمو موجود ولكن الحاضنات في حالة يُتم كبرى تفتقر فيها إلى التوجيه والتركيز والاهتمام. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال بريقها ــــ وهو بريق حقيقي ــــ يخدع الناظرين ويخفي عنهم حقيقة اليُتم والتشتت؛ لا أعلم ماذا سينتج الاحتضان إذا كان المُحتضِن نفسه يتيما ناشئا منقطعا عن إخوته ووالديه.
أول ذكر رسمي للحاضنات وقعت عليه يتعلق بتكوين لجنة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن خلال عام 1416هـ لدراسة وإنشاء حاضنات المنشآت الصغيرة في المملكة. وربما يكون الجهد الأكثر وضوحا بعد ذلك ما قدمته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في عام 2008 بمسمى "بادر"، وتأسيسها لحاضنات أخرى ودعمها لبيئة الحاضنات عموما. ثم تأسست في السنوات الأخيرة مجموعة من حاضنات القطاع الخاص ضمن برامجه للمسؤولية الاجتماعية، وتعددت الأشكال والأنواع حتى وصلت إلى وجود جمعيات خيرية حاضنة للأعمال ومشاريع الأسر المنتجة. عندما تم ترويج فكرة الحاضنات في الولايات المتحدة دعما للمنشآت الجديدة وهربا من سيطرة الشركات الضخمة خلال فترة الثمانينيات الميلادية، كانت الفكرة تقوم أساسا على تقليل مخاطر الفشل المرتبطة بالتأسيس. وهذا يعني أن تحوز الحاضنة على ما يكفي من القوة لحماية محتضنيها، وهذا لن يحصل بطبيعة الحال عند عزل الحاضنة عن بيئة الأعمال والمجتمع. أي عزلة على مستوى الدعم تعني أن المشروع المحتضن سيكون في عزلة عن السوق، وهذا ما يجعل لحظة التخرج من الحاضنة مجرد عودة فاشلة للواقع!
بدأ ترويج الفكرة في الولايات المتحدة عن طريق "إدارة الأعمال الصغيرة" Small Business Administration، وهي منظمة نفتقد مثيلاتها محليا ـــ هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قيد التشريع من عدة سنوات. وبعقد المؤتمرات وتوزيع كتيبات المحتوى التوجيهي والأطر الموحدة لهذه الأنشطة تم استيعاب المفهوم قبل طرح الأموال في الولايات المتحدة، بينما محليا يحدث العكس، بدأ طرح الأموال في غياب الفكرة الواضحة والمسؤوليات المحددة، وهذا ما تسبب في ضياع الدعم وضبابية النتائج. لم يقتصر هذا السلوك السلبي على الجهات الحكومية فقط، حتى بعض شركات القطاع الخاص صرفت الملايين في تأسيس الحاضنات التي لم يتضح إنتاجها بعد؛ وبالطبع لم يكن طرح الأموال مبكرا بقدر ما كان استيعاب الفكرة وطرحها متأخرا.
تتشكل احتياجات مظلة دعم الاحتضان لدينا من عدة شرائح مهمة، أولها التشريعات الميسرة للأعمال. وعلى سبيل المثال لا الحصر تحتاج حاضنات الأعمال إلى حلول منطقية سلسة تكفل حقوق الحاضنات والمشاركين فيها، خصوصا حول آليات التمويل والاستثمار ومشاركة حصص الملكية؛ صعوبة الاستفادة من نماذج الملكيات المشتركة وتمويل الجماهير للملكية توضحان طبيعة هذه العوائق.
مِن دَعم الحاضنات تشكيل المسارات الخاصة بها، سواء تلك المتعلقة بتحسين الإجراءات الحكومية وتسريعها وجعلها أكثر رشاقة لعملاء الحاضنة تحديدا ـــ وهم في الغالب من الشباب والفتيات ــــ أو دعم الحاضنات لتجسيد هوية المستفيدين القانونية وتمكينهم من الحصول على رخص العمل والبلديات وهم في مواقع الحاضنة. وهذا يقودنا أيضا إلى تصنيف الحاضنات ــــ وربما الجهات الداعمة للأعمال كذلك ــــ ومنحها الرخص الملائمة التي تمكنها من مزاولة الدعم "المالي والفني"، كما يجب أو مزاولة أشكال محددة من الرعاية والدعم حسب المجال والتخصص، مما يمكنها من التكامل لتحقيق الهدف الذي تم تأسيسها من أجله.
ومما تحتاج إليه هذه الحاضنات المشاركة ضمن استراتيجية وطنية موحدة ــــ والتنظيم من قبل جهة مركزية مستقلة ــــ وليس مجرد القيام بنشاط الاحتضان كيفما اتفق. غياب الاستراتيجية الموحدة ونحن في مرحلة تتسم بالتغييرات السريعة يعني ضياع هامش كبير من الجهود التي كان من الممكن أن تتكامل وتتواءم بطريقة أفضل، هذا إن لم يحصل تعارض في المصالح ومنافسة سلبية تهدم النشاط ولا تخدمه. لا أعتقد أن ريادييّ الأعمال يختلفون كثيرا حول قضية المبالغة في سرديات النجاح وحفلات التتويج التي تنتشر على الرغم من إحباط الكثير من المتقدمين إلى برامج الدعم!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي