رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بداية مبشرة أم لا؟

يقول: "لا تبدو بداية هذا السنة مبشرة، أسعار البترول في انخفاض مستمر ولا يكاد يعلم أحدهم من سيتكبد الفارق!". فعلا، كيف ستنتهي هذه السنة والسنوات التي تليها؟ وكيف ستنعكس هذه الأخبار على أسرته الصغيرة؟! في كل الأحوال تثبت السنوات الأخيرة أن التحديات الاقتصادية مستمرة في التزايد، ولا يقاومها على المستوى الفردي إلا الجهود الفردية الخالصة التي تنأى بالفرد بعيدا عن مكامن الخطر.
من المفترض أن يطالب الجميع بالعدل والحقوق والتحسينات سواء كان ذلك يؤثر في مستوى الدخل أو فرصة الحصول على مسكن مناسب أو غير ذلك. ومن حق الجميع ـــ وحظهم الجيد ـــ أن تتناغم السياسات والأحوال لمصالحهم كبارا وصغارا، ولكن في الوقت نفسه، من المفترض كذلك أن يعمل كل فرد على نفسه وأسرته ليضمن تحسين فرصه ويصنع شبكة أمان قوية تحميه من معظم احتمالات التقشف التي تتجسد لنا كل يوم سواء كنا نراها ارتفاعا في تكلفة المعيشة أو انخفاضا في مستوى الدخل، أو أي فوضى حياتية جديدة تؤثر في استقرارنا المادي بشكل أو آخر.
توشك أن تفارقنا آخر الأجيال التي شهدت الجوع الحقيقي على أرض الجزيرة العربية، أيام وليال من الجوع والعناء الشديدين ما جعلهم يغيرون أسلوب حياتهم ويتركون أراضيهم وبلدانهم وربما ما هو أكثر من ذلك من المرض والموت. ومع فارق التشبيه إلا أن الأزمات لا تنتهي، هي تتبادل الأوقات والأماكن لا أكثر.
يعتقد بعضهم أن الفارق الأكبر بين الماضي والحاضر يكمن في أن الحد الأدنى من الفقر اليوم يعتبر في حالة ممتازة أمام أفضل حالات أسلافنا في الماضي القريب، فالخير كثير والحمد لله. هذا صحيح ولكن الفارق الأكبر والحقيقي هو أن فرصة تحسين الأوضاع لم تكن "متاحة للجميع" في يوم من الأيام كما هي متاحة اليوم. لا يتطلب الأمر أن تسكن مدينة معينة أو ترافق حاكما قويا أو تهطل الأمطار على سفوح مدينتك لتنال من فرص تطوير حياتك. وأبسط الأمثلة نراها في الأفراد الذين يحصدون الكثير من الخير دون تلك الروابط التي لا يملكون من أمرها شيئا.
تبدأ السنوات، هجرية كانت أم ميلادية، وتعلن للجميع التذكير بفرص التحسين المتاحة؛ ومن ذلك ما يمكن فعله لتحسين مستوى الدخل وتعزيز فرص جميع أفراد الأسرة. التخطيط ـــ بشكل دوري ــــ هو البرهان المشترك الأكبر بين التفاؤل والواقعية. من يتجاهل ذلك لا يؤمن بمرور الوقت كما يجب أو لا يؤمن بإمكانية التحسين، وكلاهما متضرر مخطئ يعرض نفسه ومن حوله للخطر.
بغض النظر عما يتناوله مدربو التطوير الشخصي ومؤلفو كتب قيادة الذات من مصطلحات وأفكار تصب حول قدرة الفرد في الخروج من حالته الراهنة السلبية إلى وضع أفضل، نشاهد في كل مناحي الحياة الكثير من حالات التطور الجذري و"التفجر" الإيجابي الذي يصيب البعض تحسينا لحياتهم. فهذا موظف يقفز بمهاراته وتقفز حظوظه معه، وذاك عامل مطعم تحول من تقطيع الخضار إلى امتلاك سلسلة من المطاعم والمحال، أو صباغ يتحول إلى مقاول كبير. بغض النظر عن الجنسية أو العمر أو الجنس، كل ما يتاح لغيرك في ظروفك الزمنية والمكانية نفسها هو متاحٌ لك بكامل مميزاته، وربما أكثر.
لا تمثل شواهد النجاح من حولنا الحد الأقصى من النجاح، أي أنه من المنطقي تحقيق نتائج أفضل من القصص المبهرة التي نسمع بها. وهذا طبيعي، فلا حدود للعمل الطيب والأثر الطيب. ومع ذلك نرى من يشكك في حقيقة هذه القصص أو يتوهم اختلاف الظروف المتاحة لنا عن تلك التي سمحت لهم بمعايشتها. نعم التحذير من المبالغة في استعراض تجارب الآخرين بعدا عن التملق والنفاق مطلب مهم، ولكن لا علاقة لهذا بالإيمان بالفرص الحقيقية المتاحة.
أنا لا أستغرب أن يندمج الكثيرون مع لغة السخط والانتقاد عندما يصعب عليهم تفسير بعض الأمور، وعندما يتقبلون ما لا يرضون به. ولكن ما أستغربه هو ألا يصدّق بعضهم حقيقة الفرص المتاحة التي تحميه مما يتحدث عنه! يربط الإيمان بكل من البدايات المبشرة وفرص التحسين والتطوير بين واقع حياتنا والنتائج التي نصل إليها. وهذا ينطبق على إدارة الحياة، وينطبق كذلك بالضرورة على إدارة الفرد لمهاراته وأمواله وتخطيطه الشخصي، ونجاحه في النجاة بنفسه وبمن حوله من مخاطر اليوم ومصائب الغد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي