رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لماذا نحب اختلاق الأزمات؟.. الاختبارات مثالا

تعد الاختبارات من الأساليب الشهيرة والأكثر ثقة في تقييم وقياس تحصيل الطلاب والطالبات في المدارس والجامعات رغم ما يثار حولها من سلبيات وعيوب وإخفاقات. وموضوعنا اليوم ليس في سرد مزايا وعيوب الاختبارات ولكن في آلياتنا وطرائقنا في التعامل معها. نرى كيف تؤثر الاختبارات في جوانب عدة في حياة الكثيرين بدءا من الأسر، فحركة المرور، فالسير، فانضباط الموظفين في أعمالهم مرورا بما تسببه "ليس الاختبارات بل طريقة تعاملنا معها" من رعب وهيبة في عقول ونفوس الطلاب وما تخلفه من شذوذ وانحراف في سلوكياتهم وتصرفاتهم.
إن تعاملنا مع الاختبارات هو الذي فاقم المشكلة واختلق الأزمة. فتقوم المدارس قبيل الاختبارات بتسريح الطلاب من أجل إعادة تنظيم المدرسة استعدادا للحدث العظيم. ثم تؤصد الأبواب وتغلق النوافذ وتتحول مؤسساتنا التعليمية إلى حصون شامخات وقلاع عاليات لا يسمح بدخول أي كائن حي ولو استطاعوا أن يمنعوا الهواء من الولوج للقاعات لفعلوا.
ثم يتم تقسيم الطاقم التعليمي والإداري إلى عدة مجموعات. مجموعة تتأكد من نظافة مناضد الطلاب وحوائط القاعات من الكتابات والرسومات ولو وصل الأمر إلى إعادة طلائها. مجموعة أخرى تتأكد من إغلاق النوافذ وسد الثغرات التي قد تنفذ منها أي معلومة قد تفيد الطالب أثناء تأديته الامتحان. أما المجموعة الثالثة فمهمتها إصدار التصاريح و تحديد من لهم حق الدخول إلى قاعات الامتحان ممن يُحرم عليهم. ثم تأتي من بعد ذلك الجولات الميدانية للقيادات التعليمية والأكاديمية للتأكد من أن الوضع تحت السيطرة وأن الأمور مُحكمة ويرون أن هذه من صلب عملهم ومن أهم واجباتهم تفوق في أهميتها إعداد الاستراتيجية وبناء الخطط والسياسات.
والأمر لا يقف عند حدود المدرسة فوسائل الإعلام تشارك بجزء من هذه التظاهرة فنرى الصحافة والتقارير الإخبارية تعرض جولات بعض القيادات التعليمية وهم يتفقدون قاعات الاختبارات. كما تجرى اللقاءات مع المعلمين والمربين يبينون للناشئة على الهواء مباشرة كيفية الاستعداد للاختبارات؟ وكيف يستذكر الطالب دروسه؟ وأين يفعل كل ذلك؟ كما تنشر صحفنا تقاريرها عن أعداد الطلاب الذين سيتقدمون للاختبارات لهذا العام وتعرض هذه البيانات على الشريط الإخباري لكثير من قنواتنا الفضائية. وأنا هنا أتساءل ما الفائدة من تبيان هذه المعلومة وعرضها على الشريط الإخباري في بعض القنوات؟ ماذا يستفيد الناس من أن هناك عدة ملايين من الطلاب والطالبات سيذهبون لأداء الامتحانات؟
ولا يقف الأمر عند وسائل الإعلام بل يشارك بعض خطباء المساجد بجهودهم في تضخيم مارد الاختبارات. فطرحهم قبيل الاختبارات بقليل يأخذ من الاختبارات وجبة دسمة لهم وكأنهم يتكلمون بلسان واحد. فيصعد الخطيب المنبر، يشرح للمصلين بصوت جهوري أجش عن أهمية الاختبارات وكيفية الاستعداد لها في المدارس والجامعات، ثم يربط اختبارات الطلاب بالاختبار العظيم عندما يقوم الناس لرب العالمين.
كل هذا الزخم يولد لدى أبنائنا شعورا أن هناك معركة تنتظرهم عليهم أن يعدوا العدة لها. فشبح الاختبارات يطاردهم في البيت وفي المدرسة وفي الشارع وفي المسجد، وعندما يريد أن يأخذ قسطا من الراحة أمام شاشة التلفزيون. إن مثل هذا الاهتمام المبالغ فيه من قبل المؤسسات التعليمية والأكاديمية والجهات المعنية كالإعلام وخطباء المساجد وأولياء الأمور ليولد لدي الطالب الرهبة والخوف، وقد ينعكس ذلك على النواحي النفسية، وقد يحضر الطالب يوم الامتحان وهو متمكن من المادة العلمية، ولكن كل ما يدور حوله يفقده كل معلومة ثبتت في ذهنه وقد لا يتذكر حتى كتابة اسمه في كراسة الإجابة.
وبعد هذا العرض ألا تتفقون معي أننا نحن السبب في كل هذه الفوضى؟ ألسنا نحن السبب في هذا الفزع الذي يصيب أبناءنا أيام الاختبارات؟ ألسنا نحن السبب في هذا الشذوذ والانحراف السلوكي الذي يصيب الكثير من الطلاب قبل وبعد الاختبارات؟ نحن الذين جعلنا أيام الامتحانات شاقة، وقاسية، وتعيسة، وذكرى مريرة. نحن الذين ألجأنا الطلاب إلى السلوكيات البغيضة بطرائقنا وآلياتنا وتصرفاتنا التي لم تنضج، وما حالات الشغب والعنف، والغش، التي تحدث إلا إفرازات للضغوط والتوتر التي تحدثها المبالغة في الاستعداد للاختبارات وما يتبعها من مراقبة بوليسية خلال أدائهم للامتحان.
أرى أنه ينبغي أن نغير كثيرا من قناعاتنا وآلياتنا في التعامل مع الامتحانات وأول درس يجب علينا أن نعيه هو أن ندرك أن الاختبارات ما هي إلا أداة لقياس حصيلة معلومات الطالب وهي ليست الوحيدة فهناك طرق متعددة ووسائل كثيرة يمكن أن نستفيد منها. وإذا كانت الاختبارات ستسبب لنا هذا الخلل وتخرج لنا هذا المارد كل عام مرة أو مرتين فلنستبدلها بغيرها أو لنعيد آلياتنا في الاستفادة منها، فكما ذكرت المشكلة ليست في الاختبارات في حد ذاتها بل في آلياتنا وطريقتنا في التعامل معها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي