افتحوا البطون.. بشرط
.. لحل أي أمرٍ مضرٍّ، لابد أن يُعرَف ماذا حدث؟ ومتى حدث؟ وكيف حدث؟ بتجرد ودقة، مهما كان التحدي. ثم يوضع كل جهد عقلي وجِدِّي ألا يحدث مرة أخرى.
لدي قريب حبيب يعني لي كل شيء بعد والِدَي. كان يشكو آلاما فظيعة تستمر معه ساعات أحيانا. ولم نعرف ما السبب بدقة، إلا قبضا في بطنه كما كان يقول. استخدم كل أدوية التليين وتشجيع وظائف الأمعاء، خصوصا أنه مثقف وقارئ جيد بعدة لغات. مرة قال لي صديقي البروفيسور الطبيب الدكتور فهد المهنا: " أسوأ المرضى الذين يقرأون معلومات كثيرةً وهم لم يدرسوا الطب". وكان قريبي كذلك، وبالطبع الأدوية التي اختارها أثبتت كلام الدكتور المهنا.. زادت حالته سوءا.
في بهيم الليل هاتف شقيقتي الدكتورة منى صارخا من آلام لا يتحملها، وما كان منها وزوجها الدكتور مصطفى الرفاعي، طبيب القلب المعروف، إلا أن أخذاه لأقرب طوارئ، رغم ممانعته الشديدة، وهنا تأتي المعرفة الطبية؛ فالطبيبان منى ومصطفى عرفا المسألة بدقة من عوارض الآلام، ولكنهما لم يعرفا ماذا حدث وكيف حدث لأن قريبي الحبيب لا يفصح إلا عما يريد ويخفي الأكثر هلعا من التخدير، وله تجربة لا تنمحي بذكراه في ذلك - ونجد أن بعض خبراتنا تعالج بباطننا خطأ فلا تنفعنا، وأحيانا تقود لأسواء النتائج.
بمستشفى "المجمع الطبي" بالدمام كان الاستقبال احترافيا ومهنيا طبيا وإسعافيا فنقل قريبي في الحال للعمليات، لأن الأطباء عرفوا عوارض ثقب في الأمعاء وعليهم التأكد والحل بالمعرفة الواقعية وهي المعرفة المجردة، فكان الثمن الباهظ أنهم اضطروا فورا إلى أن يفتحوا جرحا لقريبي من تحت عظمة الترقوة لوسط البطن وكأنهم فتحوه نصفين لينظفوا كامل الأعضاء الداخلية من تسربات الأمعاء، ثم البحث بدقة عن الثقب بين هذه الأعضاء والمصارين المتراكبة. ووجدوه ورتقوه بخيوط أمعاء القط ليمتصه الجسم. وهنا كان الحلُّ مثاليا إنقاذيا وكان الثمنُ المقابل حجم العملية وآثارها. قريبي الآن، بحمد الله، بحال أفضل.
هل هناك ما يعادل مظاهر العِلـَل في الجسد البشري؟ نعم، إنها العلل في جسد الأمة. كل أمَّةٍ تحمل آلاماً ولن تسكت تلك الآلام بالمسكنات ولا بالوعود، ولا بأن يحاول من لا يعلم حل مسائل تمس حياة الناس بدون علم، أو بدون جدية وإخلاص حتى لو علِم. يعتقد بعض مديري أحوال البلاد أن المسكنات والوعود أو إشغال المجتمع بصغائر تتفجر هنا وهناك ستمنع الشكوى الدائمة كأدوية قريبي الاجتهادية الذاتية، هذه آلية قد يصح بها أي شيءٌ.. إلا الصواب!
ما دامت أسبابُ العللِ موجودة، فسيكون الصراخ من الألم من مشاكل الناس الحيوية موجودا حادا من السكن إلى الدواء.
علـَلـُنا يمكن حلها بالجدية وتوظيف المعرفة توظيفاً صحيحاً واتخاذ بوادر الحلول بعد التشبع بمعرفة ماذا حدث، ولماذا، ومتى. ثم الاجتهاد الجاد بالحل كي لا تتكرر المشاكل المعيشية أو أن تتحسن بشهادة من يواجهونها كل يوم.
والناس والمجتمع قادر، أثناء العلاج الواضح والصحيح لعلِلِه، أن يصبرَ على العلاج.