مصروفات الدولة الفعلية المتوقعة
أثرت العاصفة التي حلت بالأسواق النفطية على المملكة بصفتها أكبر الدول المصدرة للنفط، ومن أكثر الدول اعتمادا عليه في الإيرادات الحكومية. ومن المتوقع أن تتراجع قيم الناتج المحلي بالأسعار الجارية والصادرات وإيرادات النفط الحكومية خلال العام المقبل بنسب مؤثرة تتوقف على معدل أسعار النفط خلال العام. وتشير أسعار الأسواق الآجلة في الوقت الحالي إلى أن متوسط أسعار النفط لعام 2015 سيراوح ما بين 60 إلى 70 دولارا للبرميل. ويعتقد عديد من المختصين أن هذه الأسعار منخفضة وأن الأسواق ستشهد بعض التحسن بعد منتصف عام 2015، ولهذا فهناك احتمال جيد بتجاوز الأسعار 70 دولارا للبرميل في النصف الثاني من عام 2015. ويؤثر متوسط أسعار صادرات النفط السعودي على إيرادات الدولة بقوة، بل هو أهم العوامل المؤثرة على الإيرادات النفطية التي تشكل معظم إيرادات الدولة. وقد شهدت كمية صادرات النفط تغيرات محدودة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وليس من المتوقع أن تتغير كثيرا خلال 2015 مقارنة بعام 2014 ما لم تغير منظمة أوبك استراتيجيتها بعد منتصف عام 2015 وتعود للدفاع عن الأسعار. وتحت فرضية استقرار تقريبي لأحجام النفط السعودي المصدر واستقرار متوسط أسعاره عند مستويات 65 دولارا للبرميل من المتوقع أن تبلغ إيرادات الدولة النفطية خلال العام المقبل نحو 585 مليار ريال. أما إذا ارتفع متوسط أسعار النفط المصدر إلى 75 دولارا للبرميل فقد تصل إيرادات الدولة النفطية إلى نحو 700 مليار ريال. من جهة أخرى، من المستشرف أن تصل إيرادات الدولة الأخرى غير النفطية إلى نحو 130 مليار ريال في عام 2015 وذلك بناء على عدد من المتغيرات الداخلية والخارجية، كأسعار النفط والبتروكيماويات، ومعدلات النمو الاقتصادي المحلي ومعدلات الفائدة العالمية. وبناء على هذه المعطيات فإن إجمالي الإيرادات الحكومية خلال العام المقبل ستبلغ نحو 715 مليار ريال ــــ وهو المتوقع في الميزانية ــــ وذلك في حالة استقرار متوسط أسعار النفط المصدر عند مستويات 65 دولارا للبرميل، وقد تصل إلى 820 مليار ريال إذا وصل متوسط أسعار النفط إلى 75 دولارا للبرميل.
وتشير بيانات الميزانية التقديرية إلى أن الإنفاق الحكومي سيتجاوز خلال عام 2015 مبلغ 1.1 تريليون ريال. واستنادا للتطورات التاريخية للسياسات العامة وتصريحات المسؤولين، من المتوقع أن تواصل الدولة في عام 2015 مسعاها للحفاظ على وتيرة النمو الاقتصادي المحلي أو على الأقل تحقيق معدلات نمو معقولة في الناتج المحلي غير النفطي، ولهذا فليس من الأرجح أن تحاول خفض الإنفاق الفعلي الداخلي كثيرا عن مستويات عام 2014م. وجاء هذا التوقع استنادا إلى عدة معطيات، لعل أهمها حرص الدولة على رفاهية سكان هذه البلاد الكريمة وسعيها لاستدامة معدلات النمو في القطاع غير النفطي، وكذلك استمرار الإنفاق على المشاريع الكبيرة القائمة حاليا والمشاريع الضرورية في الخدمات العامة كالصحة والتعليم، واستمرار الالتزام بدعم الأمن القومي بسبب التطورات الأمنية والسياسية المحيطة بالمملكة. وستستمر الدولة أيضا في تقديم برامج الرعاية الاجتماعية والتحويلات والدعم وزيادة عدد موظفي الدولة بما يتناسب مع الخدمات والبرامج الحكومية المقدمة وتحسين مستوياتها. وبناء على كل ما سبق ـــ ومع كل الاحترام لما أعلن في الميزانية ـــ يمكن القول إن من شبه المستحيل الالتزام بمستويات الإنفاق التي وردت في الميزانية التي حددت بمبلغ 860 مليار ريال، حيث يتطلب ذلك خفض الإنفاق الفعلي بنحو الربع في عام 2015 عن مستوياته في عام 2014. وهذا معناه سياسة مالية انكماشية قد تتسبب في إحداث تغيرات مؤثرة في أبواب الميزانية الرئيسة، وتقود إلى خفض الإنفاق الدفاعي أو إبطاء تنفيذ بعض المشاريع الكبرى الملتزم بها، أو بعض المشاريع التي تخدم المواطنين، أو تؤثر على المنافع والخدمات المقدمة للمواطنين، وهي أمور لن تقبل بها الدولة ولن تحدث ما دامت هناك قدرة على توفير الموارد الضرورية للإنفاق عليها. ولهذا من المتوقع أن يتجاوز إنفاق الدولة في عام 2015 التريليون ريال، حتى لو بقي متوسط أسعار صادرات النفط عند 65 دولار للبرميل، ما يعني أن الحسابات الحكومية قد تشهد عجزا ماليا قد يصل إلى 285 مليار ريال في ميزانية عام 2015، وستتم تغطية هذا العجز من احتياطات الدولة. وفي حالة تجاوز متوسط أسعار صادرات النفط 70 دولارا للبرميل فسترتفع نفقات الدولة الفعلية تباعا مع ارتفاع أسعار النفط، وقد تصل إلى 1.1 تريليون ريال خلال عام 2015 إذا بلغ متوسط أسعار صادرات النفط 80 دولارا أو تجاوز هذا المستوى. وتشير تطورات الإنفاق خلال السنوات الماضية إلى ارتفاع إنفاق الدولة بنسب مرتفعة عن المستويات المعتمدة في الميزانية عند ارتفاع الإيرادات النفطية. ويمكن للدولة الاستمرار في الإنفاق وبعجوزات مالية تصل إلى 250 مليار ريال لست سنوات مقبلة دون الحاجة إلى الاستدانة من الأسواق، ولكن ليس من المتوقع أن تستمر أسعار النفط عند هذه المستويات المنخفضة وستعود إلى الارتفاع بعد فترة من الزمن ـــ بإذنه تعالى.