رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف لوى الفنانون السويديون عنق حكومتهم؟

قد يستغرب أو يتعجب كثير من القراء الكرام إن قلت إن أهم وزارة في السويد هي وزارة الثقافة، وعند تشكيل أي حكومة جديدة أو تقديم أي ميزانية جديدة للبرلمان تكون هذه الوزارة محط الأنظار وتحتل العناوين البارزة في الإعلام بأصنافه كافة.
وقد لا يصدقني كثير من القراء الكرام إن قلت إن أكثر الناس تأثيرا في المجتمع السويدي برمته هم الفنانون وما يقدمونه من فنون من رسم وموسيقى وغناء وتمثيل ورقص ومسرح وأدب وشعر بأجناسه وأصنافه كافة.
اختيار وزير الثقافة أصعب للحكومة الجديدة من اختيار وزير الخارجية. وهذا أمر قد أعرج عليه في المستقبل لأن سياق موضوع جمعتنا المباركة هذه هو دور ومكان الثقافة في المجتمع.
لقد خصصت الحكومة الحالية أكثر من مليار ونصف المليار دولار لوزارة الثقافة لعام 2015، ولكنها لسبب ما قلَّصت مخصصات المسرح بثلاثة ملايين دولار.
وكأنها اقترفت جرما حيث هبّ الكل منتقدا الحكومة لأن الناس تنظر إلى الثقافة هنا وكأنها أمر مقدس لا يجب المساس بمكانته، وأن على أي حكومة جديدة وميزانية جديدة أن تزيد من دعمها له.
الفنون والآداب بأشكالها كافة تعد هنا من أرقى ثمار الحضارة الإنسانية، والأمم تترك بصماتها الحضارية من خلال ممارستها لها. الفنون بالنسبة للسويد، إضافة إلى إغنائها للتجربة الإنسانية ومساهمتها في رقي المجتمع وسموه، لها منافع اقتصادية كبيرة منها المنظورة ومنها غير المنظورة.
ما زالت الفنون تساهم في رفد الاقتصاد السويدي حيث لا يزال البلد يعد مصدرا رئيسا لبعضها لا سيما الموسيقى، بيد أن الناس هنا ينظرون إلى منافعها غير المنظورة، حيث تظهر الدراسات الأكاديمية أن الشعوب التي تمارس الفنون والثقافة وتساهم فيها بجدية، تترسخ لديها مفاهيم إنسانية حميدة، وتكون أكثر إنتاجا وحفظا وإدراكا لمكانتها من الشعوب التي تهمشها.
واحد من مظاهر الحياة الفنية في السويد هي المتاحف والمسارح والفرق الفنية التي قلما تخلو مدينة صغيرة منها. ففي مدينتنا التي لا يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة، هناك أكثر من عشرة متاحف رئيسة، وخمسة مسارح رئيسة واحد منها يتسع لآلاف الأشخاص ومتعدد الأغراض، وكذلك عشرات الفرق الموسيقية.
وعندما يعدد الناس إنجازات الحكومة الحالية فإنهم يذكرون اعترافها الرسمي بفلسطين كدولة، ومن ثم إلغائها تسعيرة الدخول لزيارة المتاحف في السويد حيث صارت زيارتها مجانا.
وما يدهشني هو حب المسرح. وإن أخذنا مدينتنا مثالا فإن المسرح الوطني الذي هو آية في المعمار والبناء والذي يقع على مقربة من بيتي، يقدم ثلاثة أو أربعة نشاطات في اليوم وعلى المرء أن يحجز مقدما كي يستطيع الدخول لكثرة الرواد.
والثقافة مثل الهواء والماء يجب أن تنهل منها كل طبقات المجتمع، فهناك برامج ثقافية خاصة للمعوقين والأطفال مثلا.
أما الأجانب ــــ أي أصحاب الثقافات غير السويدية ــــ فلهم الكثير مما يمكنهم التمتع به، ولكن من تجربتي أرى أن اليهود هم الوحيدون الذين يستثمرون كل فقرات وزارة الثقافة بجدية للترويج لثقافتهم والاحتفاظ والاحتفاء بها.
كل سنة يعقدون مهرجانا كبيرا ويدعون له عشرات الفرق من إسرائيل إلى السويد للمشاركة في المهرجان الذي تنقله الإذاعة والتلفزة مباشرة يظهرون فيه ما يقولون إنه "سماحة" ثقافتهم، حيث ترى يهودا من المغرب والعراق وفلسطين، إضافة إلى عرب فلسطينيين يعيشون في إسرائيل. كل هذا وهم يحصلون على دعم مادي كبير من وزارة الثقافة.
العرب والمسلون وغيرهم من الإثنيات الثقافية المختلفة لهم الحقوق والمزايا ذاتها، ولكنهم بسبب خلافاتهم لا يستطيعون الاتفاق ولا يتمكنون من جمع أعداد يتطلبها القانون وإعداد برامج يجب تقديمها قبل الحصول على المعونة، ولهذا تحث الوزارة كل سنة الأقليات الثقافية العربية والإسلامية وغيرها على الاستفادة القصوى من منحها المالية التي هي بعشرات الملايين من الدولارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي