رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جدة.. سان فرانسيسكو

ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن مدينة جدة ومرئياتي عن تغيراتها الديموغرافية والاقتصادية ومستقبلها من منظور مواطنة عصرية أحلم بأن يتحسن وضعها وتصبح المعيشة فيها مقبولة بمستوى المدن الحديثة. جدة معروفة بأنها المصب الثقافي والشبابي الرائد في المملكة بسبب التنوع العرقي والفكري لسكانها وهذا بحد ذاته ثروة يمكن استثمارها.
من جهة أخرى، أتابع منذ سنوات طفرة المشاريع والتقنية في مدينة سان فرانسيسكو العريقة "تأسست في 1776""، الواقعة في الطرف الغربي لولاية كاليفورنيا، والنابضة بالشباب وعباقرة التقنية ورأس المال الجريء. وعلى الرغم من أن هذه المدينة أزيلت تقريبا عام 1906 بفعل زلزال مريع وحرائق ضخمة، لكن طموحها لا حدود له. وفيها النموذج المميز لوادي السيليكون والمواهب اللامعة والبيئة المحفزة للإبداع.
وبفعل الحركة الاقتصادية الضخمة قام المستثمرون بصب كميات كبيرة من الأموال في المشاريع الواعدة التي نجح بعضها في تغيير قطاعات اقتصادية بأكملها Disruption من حيث الأداء والعمليات وإقبال المستهلك. وكان من الطبيعي أن يتسبب هذا الرخاء المفاجئ في إحداث نقلة نوعية في مستوى الرفاهية السكانية لأصحاب الأعمال، فنجد أصحاب المليارات الشباب والسيارات الفارهة والقصور الفاخرة كلها في مساحة تزيد قليلا عن مدينة جدة "بالكيلومترات المربعة". أيضا كان من الطبيعي أن ترتفع الإيجارات وأسعار العقار بطريقة فاحشة أثرت في قدرة الطبقة المتوسطة والأقل من البقاء في منازلهم حيث قام الوافدون الجدد بعروض خيالية لشراء المنازل والعقارات السكنية والتجارية. والنتيجة نزوح السكان المتوسطي الحال إلى أحياء جديدة وربما لمدن جديدة وتسبب ذلك في مظاهرات واحتجاجات ضد الشركات الضخمة مثل "جوجل" و"أبل" و"أوبر".
شركة SalesForce إحدى إفرازات وادي السيليكون متخصصة في البرمجيات تقيم مؤتمرا سنويا يجذب أكثر من 100 ألف زائر للمدينة فتكتظ الفنادق والشوارع والأحياء. ويعتبر مارك بينيوف الرئيس التنفيذي للشركة من أكثر رجال الأعمال اهتماما بالمدينة وإعمارها فقام مع زوجته بدعم بناء أحدث مستشفى للأطفال، وبإطلاق مجموعة مبادرات لإيواء الفقراء والجائعين والمشردين، وبات ينادي لتغيير مفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات ومبادلة العطاء لهذه المدينة التي كونوا منها ثروات طائلة. وربما أيضا بدافع القلق من التوتر المتصاعد بين طبقات المجتمع قام بالتحدث مع رئيس شركة جوجل وزينجا و15 شركة تقنية للتضامن، حيث تصبح ثقافة العطاء جزءا من قيم الشركة نفسها وليس فقط هبات سنوية لخفض مبالغ الضرائب المفروضة. ومن هنا تم ابتكار نموذج عطاء أسماه 1ـ1ـ 1 بحيث تقوم الشركة بتسخير 1 في المائة من أسهمها و1 في المائة من المنتجات و1 في المائة من وقت موظفيها للمؤسسة الخيرية. ولاقى النموذج إقبالا من الشركات الأخرى التي قامت باستحداث نماذج مشتقة منه ومبتكرة للعطاء والأعمال الخيرية بشكل يخلق التجانس والسلم بين أفراد المجتمع.
منذ أسبوعين طرحت سؤالا على حسابي في تويتر "نصيحة ريم" عن من هو رجل الأعمال الأول في مدينة جدة الذي قدم لها خدمات ملموسة، ولم يختلف أحد على اسم المهندس محمد جميل الذي ترك بصمات واضحة ومبتكرة في مفهوم العطاء والبناء. لا شك أن جدة تزخر برجال الأعمال الناجحين الذين كونوا ثرواتهم على مدى عقود من الزمن وأعمالهم الخيرية واسعة النطاق، إلا أننا نتحدث عن العطاء بمفهوم عصري يتعدى حدود الأربطة والصدقات ونفقة الأيتام وفواتير الكهرباء.
نريد مكتبات عامة، نواد رياضية وثقافية للجميع نريد دور حضانة للأم العاملة ومراكز ترفيهية حديثة وعصرية ومثرية.
نريد أن يتخلص رجال الأعمال من عقلية "ليش أنا"؟ وأن يستبدلها بفكر "سأبدأ أنا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي