رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«فنون العربية» ورسملة المواهب التشكيلية واستثمارها

اقتصاديات المعرفة تُولِد مجتمع المعرفة وهو مجموعة من الناس ذوي الاهتمامات المتقاربة، الذين يحاولون الاستفادة من تجميع معرفتهم سويا بشأن المجالات التي يهتمون بها، وخلال هذه العملية يضيفون المزيد إلى هذه المعرفة. وهكذا فإن المعرفة هي الناتج العقلي والمجدي لعمليات الإدراك والتعلم والتفكير، ويتسم مجتمع المعرفة بكون المعرفة لديه من أهم المنتجات أو المواد الخام.
ويميز مجتمعات المعرفة أن المعرفة تشكل أهم المكونات التي يتضمنها أي عمل أو نشاط، خاصة فيما يتصل بالاقتصاد والمجتمع والثقافة التي أصبحت معتمدة على توافر كم كبير من المعرفة والمعلومات.
تذكرت هذه السطور التي قرأتها عن مجتمع المعرفة وأنا أسير بسيارتي في شارع التحلية في الرياض وأشاهد لوحات فنية تشكيلية متتابعة، وقد وضعت على لوحات الطرق الإعلانية بعد أن أطرت هذه اللوحات ببراويز جميلة أضفت جمالا على جمال اللوحات التشكيلية، نعم تذكرت هذه السطور التي تعرف مجتمع المعرفة لأني رأيت منتج عمليات الإدراك والتعلم والتفكير الذي مارسه الفنانون السعوديون على شكل لوحات تشكيلية يقفون بجانبها ويشرحون معانيها وكيف أنهم شكلوا ما لمسوه في مجتمعهم من رفاه اقتصادي واجتماعي أو تطور ثقافي أو عمراني بلوحات فنية تعكسه بطريقة جمالية أخرى تعزز الذوق والجماليات في أنفس المشاهدين.
لا أخفيكم أني شعرت بأني أجول في مدينة أوروبية تنتج الجمال وتتذوقه بعد أن ترجلت من سيارتي وسرت ماشيا في الشارع وتحدثت للفنانين وشعرت بعمق مشاعرهم وفرحتهم وامتنانهم لمن أتاح لهم الفرصة ومكنهم من عرض لوحاتهم في معرض استثنائي في السعودية بل في منطقة الشرق الأوسط كافة على اعتبار أنهم يعرضون لوحاتهم في معرض مفتوح في الهواء الطلق في كافة أنحاء المملكة بتوقيت واحد في 33 منطقة ومحافظة في السعودية وموزعة على 3400 لوحة إعلانية. التقيت بمنظمي هذا النشاط الثقافي المميز وغير المسبوق الذي أطلقوا عليه مسمى "فنون العربية" وقالوا لي إن المعرض تنظمه العربية للإعلانات الخارجية بالتعاون مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وإن الفكرة انطلقت من إمكانية توظيف لوحات الطرق التي حازت الشركة امتيازها في كافة أنحاء المملكة لخدمة الشباب السعوديين الموهوبين في مجال الفنون التشكيلية وتمكينهم من إظهار إبداعاتهم الفنية وعرضها في جميع أنحاء البلاد ومن ثم تمكينهم من بيعها في مزاد علني يذهب ريعه لجمعيات خيرية على أن تعوض الشركة من يريد ثمن لوحته.
أيضا قالوا لي إن المعرض يستهدف الإعلام الخارجي حيث تم الترتيب لنشر أخبار هذا المعرض في الصحف الدولية لإبراز الصورة الحقيقية لبلادنا التي انتقلت خلال العقود الماضية إلى درجات عالية من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والتطور الثقافي والعمراني حيث يلعب الفن التشكيلي الذي يدرك فحواه أفراد المجتمعات الغربية في إبراز كل ذلك الرفاه والتطور مؤكدين أن ذلك سيلعب دورا كبيرا في إزالة الآثار السلبية التي رسخها المتطرفون عن بلادنا رغم أنهم قلة قليلة.
مفاجأة المعرض ازدادت بمفاجأة التحول النوعي في برامج خدمة المجتمع الذي تبنته الشركة ذلك أننا اعتدنا على رعايات نمطية لشركاتنا الخاصة في مجالات محددة جُلها إغاثتي والنادر منها تنموي وفكري ولم نعتد على هذا النوع والحجم من الرعاية لأعمال فنية ثقافية تخص فئة إبداعية محددة من جهة عدد الفنانين وعدد المهتمين بالفنون التشكيلية، إلا أن المفاجأتين أخذتا بالتلاشي بعد أن تذكرت أن الشباب السعودي بل وحتى الكبار أصبحوا يعيشون اقتصاديات المعرفة وما نتج عن ذلك من تبادل معرفي بين كافة شعوب العالم وتثاقف فاعل أدى لترسخ مفاهيم جديدة وتحولات فكرية أحدثت تغيرات جذرية بالاهتمامات والأفكار والبرامج والمشاريع.
من جانبي كمهتم بالشأن الاقتصادي تساءلت عما إذا كانت هذه المواهب السعودية الشابة تستطيع رسملة مواهبها بحيث تكون مواهبها الفنية مصدر رزق وثراء كما هو الوضع في الدول الغربية، حيث بيعت قبل أيام في نيويورك لوحة "فتاة الجسر" للفنان النرويجي إدوارد مونك بسعر 119 مليون دولار أمريكي وهو مبلغ خيالي بكل تأكيد، أيضا أعرف أن الكثير من مكاتب كبار المسؤولين في الوزارات والجامعات وكذا القصور في بلادنا تزين باللوحات التشكيلية التي يشترى القليل منها من فناني المملكة والكثير من فناني الخارج وبأسعار كبيرة جدا. أيضا تساءلت فيما إذا كانت الاستفادة من هؤلاء الشباب الموهوبين في شركات الإعلان المنتشرة في بلادنا وتعاني ندرة الإبداعيين السعوديين القادرين على إضفاء النفس والذائقة المحلية على الإعلانات المرئية والمسموعة والمقروءة، خصوصا أن شركات الإعلان تشتكي من ضعف قدرة المبدع غير السعودي على فهم الثقافة السعودية وكيفية ترميز الرسالة الإبداعية التي تصل تجذب المتلقي السعودي ويفهمها من المرة الأولى دون أن تمس ثوابته ومفاهيمه وعاداته وتقاليده.
أتوقع أن التعاون بين الشركة المنظمة والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وجمعيات الإعلان والعلاقات العامة السعودية وربما الخليجية أيضا يمكن أن يلعب دورا كبيرا في تمكين الموهوبين السعوديين في مجال الفنون التشكيلية من رسملة مواهبهم بما يؤدي لتنميتها ونشاط سوقها شيئا فشيئا في بلادنا لتلعب هذه الفنون أبعادها المنشودة كافة.
ختاما أتطلع أن تستمر مبادرة "فنون العربية" ومثيلاتها من المبادرات الخارجة عن المألوف التي تعتني بفئات فنية وجمالية وثقافية تعزز مستوى الذوق العام في بلادنا وتقدمنا للعالم بصورة حضارية راقية تعكس واقع الرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه بلادنا وتحفزنا للمزيد من النهضة والتطور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي