رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الثقافة على طاولة وزير الثقافة والإعلام الجديد

بدأت الحكومة تحتضن الثقافة رسميا منذ عام 1391هـ (1974) حينما أصدر الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب ــــ يرحمه الله ـــ أول قرار بتأسيس نادي جدة الأدبي، ثم صدرت سلسلة من قرارات تأسيس الأندية الأدبية تباعا، ثم وضعت رعاية الشباب لائحة الأندية الأدبية التي نصت على تأسيس الجمعيات العمومية وانتخاب أعضاء مجالس الإدارات وتخصيص إعانات مالية حكومية سنوية للأندية.
وفي الوقت الذي كانت رعاية الشباب تبني المنشآت الرياضية العملاقة في كل أنحاء الوطن، كانت المنشآت الثقافية غائبة تماما عن برامج ومشاريع رعاية الشباب.
ولكن في عام 2004 أعادت الحكومة هيكلة الثقافة، فنقلت صلاحياتها من رعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام.
وحينما أعيد تأسيس هذه الوزارة على الثقافة أولا، والإعلام ثانيا استبشرنا خيرا، ولكن ظلت الثقافة في وزارة الثقافة والإعلام في موقعها الذي لا يتعدى محاولة تطوير اللائحة والاكتفاء بالإعانات المالية المقطوعة.
يجدر بنا ونحن نستعرض أسباب التخلف الذي تعانيه الثقافة في بلادنا أن نتعرض للنشاط الرياضي من باب المقارنة، فالذي تعانيه الثقافة اليوم هو ما كانت تعانيه الرياضة بالأمس، فقد باشر رجال الحسبة بإعلان الحرب على الرياضة منذ التباشير الأولى لقيام الأندية.
إن الثقافة في المملكة ما زالت تقع في دائرة الإهمال وتواجه المزيد من الظلم، فبينما دول العالم تحتفي بالثقافة وتعتبرها قوة ناعمة تستحق التقدير والاحترام، فإننا في المملكة نتربص بالثقافة ونتعقب أنشطتها ونتفنن في وصفها بأنها خارجة عن سواء السبيل.
نعم، كثيرون يعارضون المسرح والسينما، ويحظرون بناء المتاحف ودور المسرح ودور السينما وأكاديميات الفن وقصور الثقافة وبيوت التراث.
ولَكُمْ أن تتصوروا أن السعودية بحجمها الكبير في المجتمع الدولي لا توجد بها منشآت ثقافية، بينما تحتل المنشآت السياسية والرياضية والتعليمية والصحية والاجتماعية ــــ بحمد الله ــــ كل أرجاء مملكتنا الفتية.
إن ما يمثل المؤسسات الثقافية في بلادنا الآن هي الأندية الأدبية وجمعية الفنون وجمعية الطوابع، والمفروض أن تكون هناك صروح للثقافة وبيوت ومنابر ومتاحف ومكتبات ومؤسسات تعنى بكل فنون الحياة ابتداء من الفن التشكيلي وحتى السينما والمسرح وبناء المتاحف الوطنية الكبرى، وتجليل الآثار لا استنكارها أو استهبالها، وكذلك بناء الأكاديميات والمعاهد العليا لتخريج كوادر الفنون وكوادر السينما والمسرح والآثار.
نحن نحتاج إلى الانفتاح على المنظمات الثقافية الدولية، وحينما ضمت اليونسكو مرابض الدرعية التاريخية إلى قائمة التراث العالمي، وحينما اعترفت اليونسكو بـ"جدة التاريخية" وضمتها إلى قائمة التراث العالمي كانت هاتان الخطوتان موفقتين على طريق التفاعل مع منظمات الثقافة العالمية، وهكذا نحن في حاجة إلى الاقتراب أكثر وأكثر من منظمات المسرح العالمي والموسيقى العالمية والسينما العالمية والمتاحف العالمية.
إذا كنا نُسلم بأن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل.
والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مؤسسات ثقافية يمكن أن نعتبرها مساهمة في التنمية.
ونؤكد أن موقفنا المناهض للثقافة والتراث أحدث فراغا في عقول الشباب وجعلهم يستقبلون ويمارسون ثقافة الكراهية والعنصرية والإرهاب.
في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة، ليس لدينا منشآت نشير إليها بالبنان، ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن السعودية إلا ما ندر، ليس لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية رغم إننا البلد الذي شع منها نور الإسلام الحنيف، وبها كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا ــــ مع الأسف الشديد ــــ الكثير منها.
حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن نعلن عن مشروع للثقافة يحمل شعار مشروع خادم الحرمين الشريفين للثقافة الوطنية، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها، أما أن نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجلل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه.
إذن لا تثريب على وزير الثقافة والإعلام الجديد أن يباشر من الآن في بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض التي اعترفت اليونسكو بآثارها الحضارية المبهرة، وفي جدة، وفي الأحساء وفي خيبر وفي العلا آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت الكثير من الحضارات العربية القديمة الغابرة.
إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.
وإذا كنا نَصُفُ المملكة جنبا إلى جنب مع الدول العظمى، فإنه يجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيدا أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد، وهنا أتساءل إلى متى نبقى دون منارات ثقافية؟ وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية؟ وإلى متى نقبل أن نظل أسيري الأفكار المحنطة التي ترمى الثقافة بمخالفتها للتقاليد والشرائع؟
إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى سيغير من قناعات من كان يستنكر الكثير من أنشطة الثقافة، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والأندية الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي.
إن الأمل كبير في وزير الثقافة الجديد الدكتور عبدالعزيز الخضيري أن يعطي للثقافة حلولا غير تقليدية تعوض الثقافة السعودية ما فاتها من سنوات الإهمال واللامبالاة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي