هل أنت مع «إطالة اليوم الدراسي».. أم ضده؟
بدأت وزارة التربيـــة والتعليـــم مساعــي لدراسة تطبيق "إطالة اليوم الدراسي"، وذلك بزيادة عدد الساعات الدراسية، حيث يمكن الاستفادة منها كحصص للتقوية، أو الواجبات المنزلية، أو الأنشطة اللاصفية. فقد طُلب من منسوبي عدة مدارس تعبئة أداة استطلاع رأي حول "إطالة اليوم الدراسي" وذلك نظراً لأهمية الإدلاء برأيهم حول هذه الدراسة. وأوضح التعميم أن أداة الاستطلاع ستُطبق على كامل أعضاء الهيئة الإدارية والتعليمية، كما تطبق على الطلاب والطالبات أيضا.
وقد تتبعت وجهات نظر بعض المشاركين في الدراسة وتعليقات بعض الكتاب واطلعت على بعض الردود من قبل بعض المعلمين وأولياء أمور الطلاب. وقد تباينت الردود بين مؤيد، ومعارض، ومستنكر، ومتهكم وهنا أريد أن أعرض وجهات النظر المتباينة ثم أختم بوجهة نظري حول الموضوع.
البعض يرى أن فكرة إطالة اليوم الدراسي فكرة جيدة بالفعل ويجب تطبيقها وقد تواجه صعوبات في البداية إلا أن الجميع سيتكيف معها وستصبح مع الوقت عادة وعرفا تربويا والذين يشككون في جدوى الأفكار النيرة هم عادة المحبطون والخائفون والخانعون. ويرى هذا الصنف أن مقاومة التغيير والاعتراض على التطوير سلوك طبيعي للبشر يظهر في البداية ولكن ما يلبث أن يتم قبوله بل ومباركته.
صنف آخر على النقيض تماما يرى أنها فكرة فاشلة ولو توفر لها جميع مقومات النجاح لأن التربية والتعليم لم تنجح في أي مشروع منذ تأسيسها وهي من تخبط إلى تخبط ومن فشل إلى آخر. وأرى أن هذا الصنف يعرض وجهة نظره بمنطق النقد الظالم فوزارة التربية والتعليم لها إسهامات كبيرة لا يمكن تجاهلها ومواقف تعليمية وتربوية جبارة لا يمكن إغفالها.
آخرون يرون أن فكرة إطالة اليوم الدراسي ستواجه بمعارضة شرسة خصوصا من المعلمين لأنهم قد اعتادوا على طبيعة عمل معينة ورتيبة وكيفوا أنفسهم عليها ولن يبقوا في المدرسة ساعة واحدة بعد صلاة الظهر ولو وضعت السلاسل في أيديهم والأغلال في أعناقهم. فالمعلمون مواطنون لهم التزاماتهم المعيشية ومتطلباتهم الأسرية كما أن نسبة كبيرة منهم زجوا بأنفسهم في أعمال خاصة تنتظرهم بعد الظهر من مقاولات ومكاتب عقار ونحوها وقد نعذرهم فهم لم يُعدوا ولم يُدربوا على أن يكونون معلمين بل موظفين يستثمرون أوقاتهم كما يحلو لهم.
كثير من الرافضين لفكرة إطالة اليوم الدراسي يبررون وجهة نظرهم بضعف البنية التحتية للمدارس الحكومية والمستأجرة على حد سواء. فهم يرون أن البيئة المدرسية غير مشجعة ألبتة على بقاء الطلاب فيها أكثر من نصف النهار ويرون أن مدارسنا عبارة عن مبان لم تعد أصلا لتبني مثل هذه الأفكار. فمدارسنا ينقصها كثير من الخدمات فلا مطاعم ولا معامل ولا دورات مياه لائقة ولا صيانة فهي أشبه ما تكون بالسجون والحصون الراسيات تحيط بها الأسوار العالية والقلاع الشاهقة من كل مكان يترقب الطالب منتصف النهار حتى يلوذ بالفرار وقد تسول له نفسه التسلل من الأبواب الخلفية أو تسلق الأسوار العالية قبل نهاية اليوم الدراسي ليتنفس الحرية وينعم بالكرامة الإنسانية.
يرى آخرون أن بقاء الطلاب والطالبات إلى وقت متأخر يجعلهم يحتاجون لوجبتي إفطار وغداء وهم يتساءلون: كيف سيتم التغلب على ذلك خصوصا أن جميع مدارس التربية والتعليم لا يوجد بها مطاعم بل لا يوجد بها مكان لائق لتناول الطعام كما لا يوجد الحد اﻷدنى من الطعام الصحي. فالطعام في مدارسنا يقدم من خلال ما يسمى بالمقاصف المدرسية التقليدية حيث ينسلخ عمال النظافة من مهمتهم الأصلية قبيل خروج الطلاب للفسحة ليعدوا لهم الوجبات فيبتاع الطالب ما يقدم له من خلال المقصف المدرسي يتناولها واقفا أو جالسا أو في الممرات أو أمام دورات المياه.
والأمر لا يقتصر فقط على الوجبات بل يتعدى ذلك إلى الأنشطة والترفيه فالوقت طويل ويحتاج الطلاب إلى متنفس يعيد إليهم نشاطهم ويبدد الطاقة الكامنة في أجسادهم. فالأنشطة غير المنهجية شبه معدومة بسبب افتقار المدارس لمقومات تفعيلها فلا ملاعب ولا مسارح ولا معامل ولا موارد بشرية مؤهلة تدير كل هذا. النشاط غير المنهجي اليتيم والترفيه الوحيد في المدارس عبارة عن حصص مجدولة لممارسة نوع واحد من الرياضية هي كرة القدم ينتظرها الطلاب بفارغ الصبر وقد يعاقبون فلا يتمتعون بها خلال ذلك الأسبوع. ويمارس الطلاب نشاطهم الوحيد في ملاعب قديمة تفتقد إلى أبسط أدوات السلامة، أما الطلاب الذين لا يجدون ملعبا بحكم أن المدرسة مستأجرة يقومون بممارسة نشاطهم الوحيد في أحد جوانب المبني المدرسي وغالبا ما تكون قطعة أرض تطوع بها أحد المواطنين برهة للمدرسة لحين تسنح له الفرصة ويشيد عليها بناء خاصا به.
وبهذا يمكن أن نخلص فنقول: إن إطالة اليوم الدراسي وإن كانت فكرة حسنة إلا أن المعنيين بالأمر خصوصا المعلمين والطلاب سيعارضونها بشدة بخلاف بعض أولياء الأمور الذين سيتعاطفون إلى حد ما إذا تم ضمان الحد الأدنى من مكونات البنية التحتية. والمشكلة ليست في المعلمين ولا في الطلاب ولا في أولياء الأمور ولا في الفكرة في حد ذاتها بل في آلية وكيفية التطبيق فهذه قد تناسب تعليمنا بعد 50 عاما من الآن عندما تكتمل البنية التحتية ويستوعب المعلمون رسالتهم ويعرف الطلاب مصلحتهم أما في ظل الظروف التي تعيشها مدارسنا فمجرد إظهار فكرة إطالة اليوم الدراسي على السطح يدل على أن التربية والتعليم لا تعرف بالضبط ما يحدث في البيئات التعليمية في المدارس وأظنها بعيدة كل البعد عن العمل التشغيلي في مدارسها. لذا عليها أن تنكفئ على نفسها قليلا وتغور في أعماقها وتفتش عما بداخلها وتعرف قدراتها وترتب أولوياتها ثم تقوم الانحرافات وبعدها تطرح أفكارها للناس حتى تلقى قبولا وتعاطفا.