المتضرر والمستفيد من الهبوط الحاد في أسعار النفط
في فترة وجيزة خسرت الشركات والدول المنتجة للنفط نحو 50 في المائة من مدخولاتها، حيث هبط سعر النفط من 110 دولارات للبرميل قبل أشهر عديدة إلى أقل من 60 دولارا.
انخفاض مفاجئ بهذا الحجم في مدخولات ليس شركة صغيرة بل حتى بقال أو موظف صغير، لا بد أن تكون له تبعات خطيرة إن لم يتم تداركه بسرعة. فما بالك بدول بعشرات الملايين من السكان يشكل النفط ومبيعاته الدعامة الرئيسة لاقتصادها. وما تتناقله الأخبار عن انهيار في أسعار عملات دول منتجة للنفط أو أسواقها المالية لخير دليل.
وإن ألقينا نظرة فاحصة على المشهد العام للدول والشركات المنتجة للنفط وكيفية تعاملها مع الهبوط الحاد في الأسعار، لرأينا بروز اتجاهين مختلفين تماما.
الاتجاه الأول يتمثل في الشركات الغربية الكبيرة والصغيرة التي بدأت فورا بتكييف نفسها ومصادرها وإدارتها وتكنولوجيتها وقواها البشرية للتعامل ليس مع هذا الانحدار السعري فقط، بل مع وضع قد تنهار فيه الأسعار إلى 40 دولارا للبرميل أو أكثر.
الاتجاه الثاني يتمثل في الدول المنتجة الرئيسة في الشرق الأوسط التي يبدو حتى كتابة هذه السطور أنها غير مكترثة بتقهقر الأسعار بدليل أنها لم تتخذ أي إجراءات اقتصادية تتناسب وحجم الخسارة الاقتصادية وهي كبيرة جدا.
إن تفحصنا الاتجاه الأول المتمثل في الشركات لرأينا أن أصحاب الشأن اتخذوا إجراءات فورية لتقليل الخسائر وتأثيرها في مجمل عملياتهم.
هبوط حاد للأسعار تستغله الشركات الرائدة من أجل توسيع نفوذها وذلك من خلال عمليات استيلاء "يسمونها دمج" على الشركات الصغيرة، المتضررة الرئيسة، وإضافة طاقاتها المتاحة من عمليات وأجهزة وأصول وموجودات وبأبخس الأثمان إلى ما لديها.
والشيء الذي قد لا يعرفه كثير من العرب أنه مهما حدث لأسعار النفط فإن هذه الشركات ستستمر دون هوادة في تطوير التكنولوجيا الموائمة لخفض نفقات الإنتاج وزيادته كي تجعل من السعر - أي سعر - أمرا مربحا. هكذا ستزداد مخصصات مراكز البحث العلمي في الطاقة من جميع أوجهها من قبل هذه الشركات "القطاع الخاص" وستهرع الدولة "القطاع العام" للمساهمة في البحث العلمي وبسخاء.
التكنولوجيا الغربية، لا سيما في شمال أمريكا، لها قدرات خارقة. لا أريد أن أنقل كيف كان الوزراء والمسؤولون النفطيون العرب يقللون من أهمية التقنية الغربية لموضوع الغاز والنفط الصخري الذي صار اليوم يلبي نسبة كبيرة من احتياجات الولايات المتحدة - أكبر مستهلك للنفط والغاز في العالم.
لا يجوز الاتكاء على التقنية المتوافرة حاليا للتنبؤ بالمستقبل حتى القريب منه لأن مسألة البحث في حلقات تكنولوجية متطورة التي تجعل من غير الممكن اليوم ممكنا ومتاحا غدا، هي ضمن الأولويات في الدول الغربية المتطورة.
وإن علمنا أن التقديرات الأولية للاحتياطيات النفطية الصخرية في العالم، والتي أغلبها تتواجد في دول تملك تقنيات عالية، تصل إلى 245 مليار برميل والغاز الصخري إلى 7300 تريليون قدم مكعبة، لعرفنا كم كان العرب مخطئين في القول إن النفط الصخري لن يؤثر في نفوطهم.
في دول الخليج العربية من الصعوبة بمكان التمييز بين الخاص والعام بالمفهوم أعلاه. ومن ثم هناك مشكلات تركيبية عويصة من حيث الديموغرافيا. ما تمنحه هذه الدول من مكاسب اجتماعية تخص الخدمات العامة مثل الأسعار المنخفضة جدا للمشتقات النفطية، والتعليم، والصحة، وغيرها من الخدمات، لا تقتصر الاستفادة منها على أهل البلدان هذه فقط بل الأجانب الذين يشكلون تقريبا 50 في المائة من مجمل سكان هذه الدول البالغ نحو 40 مليونا.
قد يقول قائل بإمكان هذه الدول سحب أرصدتها والاتكاء على صناديقها السيادية. وهنا مشكلة كبرى أيضا لأن الصناديق هذه ليست لأجيال اليوم بل للأجيال المقبلة، ومن ثم يجب أن يكون الصندوق بمثابة استثمار يدر أرباحا دورية كان يجب أن تقلل من الاعتماد على النفط، وظهر اليوم أنها لم تؤد الدور المرسوم لها.
ومن سيضمن في عالم لا يمكن فيه التنبؤ بما سيصبح متاحا غدا أن بإمكان هذه الدول التعويض عما ستسحبه من صناديقها ومدخراتها؟