رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل نحلم بالصفر؟

مما تعلمته أثناء دراستي في الولايات المتحدة أن العرب هم أول من اخترع الصفر، ولم أكن أعلم هذا الأمر من قبل، ما يشير إلى خلل في تعليمنا، فهذه المعلومة التي أقر الآخرون بفضلنا فيها يفترض أن نلم بها، وتلم بها الأجيال القادمة، ليس لمجرد التغني بها، والاجترار, ولكن لمزيد من التحفيز ليسير الأحفاد على خطى الأجداد، خاصة أنه ترتب على هذا الاختراع إيجاد الكثير من الحلول لكثير من المشكلات، ومنها ما له علاقة بالتقنية الحديثة، خاصة الكمبيوتر.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أزالت أمريكا المباني المدمرة، وأطلقت على المكان بعد تنظيفه الأرض الصفر ground zero في إشارة إلى خلو المكان من الآثار، ولعل مصطلح الأرض المحروقة يلتقي في معناه مع مصطلح الصفر، فالأرض المحروقة الذي يشيع استخدامه في الحروب، حين تدمر المباني، وتحرق المزروعات، وتزال الغابات بهدف إيصال قاطني المكان إلى مرحلة افتقاد الحياة كافة، إذ تهدم البيوت وتحرق المزارع، وتزال الغابات، وهذا ما فعلته أمريكا في حرب فيتنام، وما يفعله النظام السوري منذ أربع سنوات، وهذا ما يحمله معنى الصفر في الأمور السيئة، أو ما يعتقد أنه سيئ، حيث تشن الدول، والمجتمعات حربا تستهدف القضاء عليها، وخلو المجتمع منها.
أعلم أن كلمة صفر مخيفة وموحشة للكثير من الناس، خاصة من ذاقوا مرارتها في دراسة، أو في تقرير وظيفي رفعه مدير بشأن أحد موظفيه، ولعله من المناسب أن أؤكد أن لا أحد يحلم فيما هو أقل من النجاح فكيف بالصفر؟! إذ لا أحد يطيق سماع الكلمة، فكيف بالحصول عليه وتمنيه. ومع أن الصفر افتراضي، وليس حقيقيا في كثير من الأمور خاصة ما له علاقة في التحصيل، والمعارف، والخصائص النفسية، والسلوك البشري، إذ لا يمكن القول إن الطالب خال من المعرفة تماما مهما كان ضعيفا، وحتى لو حصل على صفر في ورقة الإجابة.
في المقابل يوجد صفر حقيقي ينتفي معه وجود الشيء، كما في الأوزان، والأطوال، والمسافات، فالمسافة تنتهي بالوصول إلى المكان الذي نقصده، ووزن الشيء ينتهي بتلاشي ذلك الشيء، عندما يفنى بأكله، أو إحراقه، ومع إدراك أن الصفر الذي نتمناه هو في الأمور السيئة، إلا أننا ندرك أن هذه الأمنية لا يمكن أن تتحقق، فالصفر كما سبق الإشارة نسبي، كما أنه فيما له علاقة بالسلوك البشري لا يمكن تحققه، رغم ما يمكن أن يبذل من جهد وسعي من خلال الأنظمة، والتدريب، والحوافز، والاحتياطات.
أمور كثيرة نتمنى أن يكون رصيدنا فيها صفرا، كالفقر، والبطالة، والأمية، والتضخم، وحوادث السيارات والأمراض، والجرائم كالسرقة والقتل والتحرش، لكن هل نحقق هذا الهدف؟ لا أرى مانعا من ذلك، خاصة أن دولا أخرى سبقتنا لذلك، فالأمية في مفهوم القراءة والكتابة ممكنة، وكذلك الفقر متى ما توافرت الإرادة لذلك، كما أن المواضيع الأخرى حتى إن لم نتمكن من تحقيق الصفر فيها يمكن أن نخفض منها لتكون في أدنى مستوى لها.
متطلبات تحقيق الصفر كثيرة، وأولها بث، وإشاعة ثقافة الصفر في المؤسسات الرسمية، والأوساط الاجتماعية، وجعل الوصول إلى الصفر في بعض القضايا هدفا نسعى إليه، ونشحذ له الهمم، بحيث يتحول إلى هاجس لدى كل مسؤول، وصاحب قرار، أما ثاني المتطلبات، فهو إيجاد الخطط الكفيلة بتحقيق الهدف، والخطط يمكن أن تكون على مراحل، بحيث نخفض من الفقر في المرحلة الأولى 20 في المائة وفي المرحلة الثانية 30 في المائة، وهكذا في بقية المراحل، وذلك حسب الظروف، وطبيعة الموضوع الذي نرغب في تصفيره. أما المتطلب الثالث فيهتم بتوفير الإمكانات الضرورية، فعلى سبيل المثال حوادث السيارات خاصة المكلفة بشريا، وماديا قد لا يقضي عليها تماما، لكن لا يعجزنا الحد منها وتخفيضها لأدنى مستوى، وهذا يأتي من خلال الوعي المروري لكل المجتمع من مواطنين ومقيمين، إضافة إلى وضع الأنظمة الرادعة وفرضها دون تراخ وتساهل، وذلك بإيجاد الطواقم البشرية المدربة، وذات الكفاءة العالية، والحماس المتقد، إضافة إلى التجهيزات، والتقنيات اللازمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي