مركز الأمير سلمان لشباب المعرفة والحكمة

يقف "الوالدان" اليوم، خصوصا من وفروا لأبنائهم أجهزة التواصل الإلكتروني وشبكة الإنترنت، مذهولين مما يطرحه أبناؤهم الصغار من أفكار ومقترحات، إضافة إلى أساليب ومضامين نقاشهم وحواراتهم الأمر الذي جعلهم يعانون في التعامل معهم حيث ينظر الوالدان لأبنائهما على أنهم أطفال يجهلون الكثير ويجب توجيههم، بينما ينظر الأبناء لوالديهم على أنهم ناقصو معرفة، وأنهم رهن جمود ثقافي ومعرفي وعادات وتقاليد ظنوا أنها ثوابت دينية ووطنية وتراثية لا يمكن تغييرها.
أحدهم يقول إنني لم أعرف ماذا أقول لابنتي الجامعية التي فاجأتني بقولها إنها وضعت خطة لدراستها الجامعية، ولتعلم عدة لغات أوروبية، وقراءة مجموعة كتب وروايات لتكون موظفة عالمية، ولذلك هي تستهدف العمل في إحدى الشركات العالمية التي لديها فرع في السعودية من ضمن سلسلة فروعها الدولية. نعم يقول ذهلت حيث إني لا أتصور أنها ستعمل في غير وزارة التربية والتعليم كمعلمة كحال أخواتها الكبار.
صديق لي يقول إنني في حالة من الصدمة ولا أعرف كيف أتصرف حيالها بعد أن سمعت أبنائي الذين يدرسون في المرحلة المتوسطة وهم يتحدثون عن ضعف القدرة التعليمية لمعلميهم وعدم قدرتهم على تطوير أنفسهم، إضافة إلى كونهم "مساكين" خلقيا لأنهم لا يتقبلون النقد والتصحيح والاعتراض على ما يطرحونه من أفكار ومفاهيم ومعلومات خاطئة وبالية، وإنهم كطلاب "يسلِّكون" لمعلميهم عطفا عليهم لكيلا يحرجوهم ولكيلا يغضبوا عليهم وينقصوا درجاتهم.
ويضيف: بعد أن كنا نحترم المُعلم ونعتقد أنه يعلم كل شيء، وأن ما يقوله صحيح لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أصبح أبناؤنا يرون المُعلم إنسانا جامدا متكلسا يخطئ ولا يعترف بخطئه ولا يتقبل النقد والتصحيح، وأنه "نفسية" تتطلب مراعاة و"تسليكا" لكي تسير الأمور دون مشكلات، ويستدرك أن هذه النظرة من أبنائنا للمُعلم لا تختلف عن نظرتهم لنا، وأخشى أن "يسلّكوا" لنا دون قناعة بما نقوله ونطرحه ونقرره لكي تسير حياتهم دون مشكلات.
أطفال وشباب اليوم من الجيل الذي وُلِد ونشأ وترعرع في عصر ثورة المعلومات واقتصاديات المعرفة في ظل الاستقرار والثروة التي تعيشها بلادنا ولله الحمد والمنة، شباب عالمي النزعة والقيم والمفاهيم، وهو شباب مبادر يتطلع للمشاركة في التنمية.
لقد تحدثت مع أحد الشبان من المبادرين في مشاريع اجتماعية وهو لا يتجاوز 23 سنة فوجدت نفسي أمام شاب يحمل معرفة وحكمة رجال الخمسينيات ويحمل منظومة قيمية ومفاهيمية وطموحات لخدمة البلاد تنمويا تستحق التقدير والثناء، كما تستحق أن نبادر بتطوير البيئة بجميع مكوناتها لاستيعابه وتوظيف طاقاته وطاقات أمثاله من الشباب الواعي المبادر.
لا شك أن البيئة الجديدة الناشئة عن اقتصاديات المعرفة، خصوصا بعد ثورة الإعلام الاجتماعي، تزود أطفالنا وشبابنا بمعرفة هائلة يتلقونها يوميا ويتداولونها وينتقدونها ويضيفون عليها ما يجعلهم يكونون في المحصلة مجتمع الحكمة، وهو مجتمع عالي الوعي قادر على التواصل وتكوين الكتل والمجموعات والضغط باتجاه تطوير جميع مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الحالية بطريقة متسارعة وباتجاهات جديدة لكون أفراد مجتمع المعرفة والحكمة أكثر وعيا بالواقع والصواب والخطأ، والأنسب والأفضل وأكثر وعيا بحقوقهم جميعها وواجباتهم وواقعهم مقارنة بواقع الآخرين، أفراد أكثر حرية وإرادة وشجاعة وإقداما وقدرة على التكتل والتأثير في الواقع بمفرداته وكلياته، الأمر الذي يتطلب وعيا مقابلا من النخب للتعاطي الإيجابي معهم واستثمار طاقاتهم وتوظيفها لخدمة الأهداف التنموية كافة. مركز الأمير سلمان للشباب أحد أمثل المؤسسات التي تساهم في تحسين البيئة لاستيعاب شباب الحكمة ومبادراتهم لأن فكرته ولدت من الرغبة في تقديم الدعم اللوجستي للشباب من أجل ضمان نجاحهم واستمرارهم في تأسيس روح المبادرة وترسيخها، إلى جانب الإسهام في بناء جيل مبدع من القيادات الشابة من خلال رسالته وهي تأسيس وتجذير ثقافة التميز وترسيخ روح المبادرة لدى الشباب، والمساهمة في بناء جيل مبدع من قادة المستقبل، يسهمون في دفع واستمرار مسيرة التقدم والازدهار للوطن لتحقيق رؤيته وهي "تحقيق الريادة على المستوى العالمي في تحفيز ودعم الشباب".
وبكل تأكيد لوجود الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز كرئيس لمجلس إدارة المركز، أهمية كبرى لكونه شابا من جيل الشباب المبادرين وبالتالي فهو أقدر على فهمهم وتفهمهم ومساندتهم لتحقيق أهداف المركز النبيلة التي تتمثل في اكتشاف الشباب المبدعين في مختلف المجالات وتشجيعهم، وترسيخ روح المبادرة ورفع مستوى الوعي بثقافة العمل الحر لدى الشباب، والإسهام في بناء جيل مبدع من القادة الشباب في مختلف القطاعات، والمشاركة في دفع مسيرة الاقتصاد والتنمية الوطنية، وتسليط الضوء على التجارب الرائدة وتبادل الخبرات بين الشباب، والارتقاء بشباب الأعمال على الأصعدة كافة، وتنمية وتأصيل ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى الشباب من الجنسين، وتقديم دورات إرشادية وورش عمل ولقاءات وملتقيات لاستيعاب الشباب.
أكثر من شاب عارف حكيم مبادر التقيت به يرى في مركز الأمير سلمان للشباب الأُم الحانية التي تتلقى مبادرته وتطورها وتتبناها ليطلق طاقاته، ويرى في المركز المؤسسة الأولى التي سيتجه لها لتحتضنه وأفكاره.
بكل تأكيد مهما بلغت طاقة المركز فلن تستوعب شباب جيل المعرفة والحكمة، والأمل أن يستنسخ هذا المركز في كل مناطقنا ومدننا وجامعاتنا لنستثمر طاقاتنا البشرية الهائلة القادمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي