رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«أوبك» تضع ثقتها في آليات السوق

إن قرار "أوبك" الإبقاء على سقف إنتاجها دون تغيير يمثل انعطافة جديدة في استراتيجية المنظمة بعيدا عن أسعار النفط الآنية إلى مزيد من الشفافية في حركة التداول حسب آليات السوق والتركيز على حصة السوق على المدى المتوسط والطويل.
بالفعل كما كان متوقعا انخفضت أسعار النفط العالمية بنحو 7 في المائة بعد الاجتماع مباشرة.
في هذا السياق، خفض بنك ستاندرد تشارترد من توقعاته لأسعار خام برنت للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015 بصورة كبيرة وصلت إلى 21 إلى 68 دولارا للبرميل، لكامل عام 2015 بنحو 16 دولارا إلى 89 دولارا للبرميل، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى تشدد كبير في النصف الثاني من العام، نظرا لانخفاض مستوى الفائض الحالي.
بعد الاجتماع كان هناك لغط كبير في وسائل الإعلام وبين المحللين عن الأسباب الحقيقية التي دعت المنظمة إلى الإبقاء على سقف إنتاجها عند 30 مليون برميل في اليوم. حيث أشارت في معظمها إلى أن الإقرار قد صمم لإحداث تأثير كبير في منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه منع انتشار هذه الطفرة خارجها. وذهب آخرون إلى أن هذا القرار قد يساعد في تعافي الاقتصاد العالمي ويدعم نمو الطلب العالمي على النفط الذي من شأنه إعادة التوازن بين العرض والطلب وفي الوقت نفسه يحافظ على حصة المنظمة في السوق. في حين ذهب آخرون أبعد من ذلك مدعين أن هناك مؤامرة سياسية وراء هبوط أسعار النفط للتأثير في بعض الدول مثل إيران وروسيا.
في ظل هذا التباين في الآراء يبقى سؤال مهم؛ عند أي مستوى من الأسعار سيكون التأثير كبيرا جدا في منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة بحيث يبدأ الإنتاج بالتراجع، وإلى متى سوف يتحملون هذا الوضع؟
في ظل أسعار النفط التي كانت سائدة في السنوات القليلة الماضية بين 100 – 110 دولارات للبرميل، لم يكن هناك وسيلة لوقف التوسع في إنتاج الصخر الزيتي أو حتى باقي المصادر الأخرى المرتفعة التكاليف. لكن في الوقت نفسه ليس هناك ما يضمن بأن السماح بانخفاض الأسعار أكثر سيكون هو العلاج لوقف نمو إمدادات الصخر الزيتي في وقت قصير وتعافي الطلب لتتمكن "أوبك" من الحفاظ على حصتها.
على مدى السنوات الماضية استمر إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة في النمو بمعدل مليون برميل في اليوم، وكان من المتوقع أن يضيف كمية مماثلة تقريبا في العام المقبل. لكن، كان هذا قبل الانخفاض في الأسعار. سوف تعتمد التوقعات الجديدة لنمو الإنتاج على مدى تفاعل الشركات مع الواقع الجديد لاقتصاديات المشاريع.
على مدى السنوات الماضية، أدى التقدم التكنولوجي إلى انخفاض أسعار التعادل Breakeven Price لهذه المشاريع بشكل حاد. الاعتقاد السائد على نطاق واسع حاليا هو أن الاستثمار الجديد يحتاح إلى أسعار تعادل في نطاق 70 - 75 دولارا للبرميل، لكن المشاريع الحالية سوف تستمر في التوسع بالإنتاج دون هذه المستويات. ويجب أن نستذكر هنا أيضا تجربة الغاز الصخري الذي استمر في النمو على الرغم من انخفاض الأسعار دون دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
لذلك، يجب أن تنخفض أسعار خام غرب تكساس الوسيط بصورة كبيرة دون 70 دولارا للبرميل ولفترة طويلة نسبيا لإحداث توقف فعلي لنمو إمدادات الصخر الزيتي. وهذا يعكس الفرق بين تكاليف "دورة الإنتاج الكاملة" أو سعر التعادل، التي كما أسلفت يعتقد أن تكون في نطاق 70 - 75 دولارا للبرميل، وتكاليف "نصف دورة الإنتاج" التي يمكن أن تكون في نطاق 30 - 40 دولارا للبرميل، وهذا يشمل الحقول التي تم بالفعل تشغيلها (أي أن تكاليف حقوق الاستثمار في الأراضي والبنية التحتية قد تم تسديدها بالكامل وعلى الشركات تغطية التكاليف التشغيلية فقط). لكن في نهاية المطاف من المؤكد سوف يتباطأ نمو الإنتاج من مصادر الصخر الزيتي. على سبيل المثال، قامت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في الأسبوع الماضي بخفض توقعاتها لنمو الإنتاج المحلي في عام 2015 بأكثر من 100 ألف برميل في اليوم، وهذا ثاني تخفيض لها في غضون شهرين. حيث تتوقع الإدارة الآن أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة العام المقبل بنحو 720 ألف برميل في اليوم إلى 9.3 مليون برميل في اليوم. قبل شهر كان التنبؤ بارتفاع 850 ألف برميل في اليوم في العام المقبل وقبل ذلك كان قرب مليون برميل في اليوم. ويأتي هذا الانخفاض في التوقعات وسط تراجع حاد في أسواق النفط العالمية. في هذا السياق خفضت الإدارة توقعاتها السابقة لأسعار خام غرب تكساس الوسيط للعام المقبل إلى 62.75 دولارا للبرميل، بانخفاض 15 دولارا عن توقعات الشهر الماضي. وقامت الإدارة أيضا بخفض توقعاتها لخام برنت للعام المقبل إلى 68 من 83.4 دولار للبرميل.
ولكن دعونا لا ننسى أن صناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة هي الآن راسخة وحالما ترتفع الأسعار مرة أخرى، سوف ترتفع عمليات الحفر من جديد ويبدأ الإنتاج بالنمو مرة أخرى.
على نحو مماثل، اتخذت الصناعة النفطية العديد من قرارات الاستثمار لمشاريع أخرى، وليس من المرجح أن تقوم الشركات بالتوقف عن العمل بسرعة لمجرد أن الأسعار قد انخفضت. حتى إذا استمرت أسعار برنت في نطاق 65 إلى 70 دولارا للبرميل أو انخفضت أكثر، ليس من المتوقع أن تنخفض مستويات الحفر بصورة كبيرة جدا قبل ستة أشهر على الأقل من الآن. نعم سوف يكون هناك تباطؤ، لكن النمو سوف يستمر بوتيرة أقل.
أما من ناحية الطلب، إن انخفاض أسعار النفط يعد نوعا من التحفيز بالنسبة للاقتصاد العالمي. لكن، العمل على محاولة خفض نمو الطلب على النفط في دول مثل الصين والاستمرار في تحسين كفاءة الطاقة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، قد يضعف العلاقة بين النمو الاقتصادي واستهلاك النفط. لذلك من المرجح أن يستمر الضعف النسبي في نمو الطلب على النفط. وأفضل مثال على ذلك هو إقدام "أوبك" على خفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط للعام المقبل في آخر تحديث لها عن حالة أسواق النفط العالمية.
في الوقت الحاضر، لا تزال الأسواق تحاول استيعاب انعكاسات قرار "أوبك" الأخير على الأسعار وإلى أي مدى سوف تهبط الأسعار، حتى وقت كتابة هذا المقال (أي بعد نحو ثلاثة أسابيع من الاجتماع) فقد خام برنت بالفعل أكثر من 12 دولارا للبرميل وتم تداوله دون 65 دولارا للبرميل.
على هامش المؤتمر وصف بعض مندوبي "أوبك" القرار على أنه "تجربة" وخروج عن المألوف، لذلك مثل أي تجربة أخرى يجب أن ننتظر بعض الوقت لنرى مدى نجاحها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي