رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ظاهرة هبوط مستوى مياه الأحساء

ظاهرة هبوط مستويات المياه الجوفية في المملكة بوجه عام أمر طبيعي، كبلد صحراوي، وتزامنا مع ندرة هطول الأمطار التي كانت تغذي الطبقات الحاملة للمياه الجوفية. فالهبوط المستمر للمياه الجوفية ناتج عن السحب الهائل للماء الذي يرتفع مع زيادة عدد السكان ومتطلبات المدنية الحديثة، ناهيك عن تفردنا نحن شعوب الخليج بالإسراف الفاحش حتى في استهلاك المياه، على ندرتها. فتظهر الأرقام الرسمية أن استهلاك المواطن الخليجي من الماء يزيد على ضعف المعدل العالمي، على الرغم من أن بلداننا الخليجية خالية تماما من الأنهار والبحيرات، إلى جانب شح شديد في نزول الأمطار. فنحن نستنزف مياها كانت قد تكونت وتجمعت في الطبقات الصخرية قبل عشرات الألوف من السنين. وفي عموم المملكة، ليس هناك في السنوات المتأخرة تعويض ذو قيمة للكميات المنتجة والمستهلكَة. وسوف تستمر وتيرة انخفاض منسوب المياه الجوفية خلال السنوات المقبلة حتى تصل إلى مستوى يصبح معه الإنتاج غير اقتصادي، وهو أمر خطير للغاية إذا لم نتخذ الإجراءات الضرورية للحفاظ عليه قبل فوات الأوان. وليس بالإمكان تحديد زمن هذه المرحلة المخيفة، مرحلة النضوب، نظرا لغياب المعلومات اللازمة لمعرفة ذلك، ولكنه أمر وارد لا محالة بدليل استمرارية الهبوط. ومن المحتمل أن يتزامن هذا الحدث المفزع مع انتهاء عصر إنتاج النفط الرخيص، فتتحول الحياة على ظهر هذه الصحراء إلى كارثة إنسانية، ما لم نصحُ من غفوتنا ونعمل من أجل مصلحة مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة.
واختيار عنوان المقال، له علاقة مباشرة بما يشاع عند بعض الأحسائيين من أن عمليات شركة أرامكو السعودية كانت السبب في نزول مستوى المياه الجوفية في منطقة الأحساء. وهو اعتقاد غير صحيح وغير دقيق. فليس هناك علاقة بين الطبقات الحاملة للماء التي تغذي مزارع المنطقة ومدنها، وبين الطبقات التي كانت "أرامكو" تضخ منها الماء إلى حقول النفط للحفاظ على ضغط المكامن، قبل أن يتوقف العمل بها كليا في أوائل الثمانينيات واستخدام مياه البحر بدلا منها. ولعل شرحا مبسطا يوضح الصورة للجميع ويبين أنه لا توجد علاقة مباشرة بين عمليات شركة أرامكو وبين ظاهرة انخفاض مستوى المياه الجوفية هناك. الطبقات الصخرية التي تغذي المجتمع الأحسائي بالماء هي "الخبر وأم أرضمه". وقد جفت الآن طبقة الخبر وتحول كامل الإمداد إلى طبقة أم أرضمه. و"أرامكو" كانت تستمد مياه الحقن من طبقة "الوسيع" التي على عمق يزيد على أربعة آلاف قدم وذات ملوحة عالية لا تجعلها صالحة للاستخدام الزراعي والآدمي والحيواني. كما أنه بين طبقة الوسيع وبين الطبقتين الآنفتين أكثر من ألفي قدم، وليس هناك أي اتصال بين هذه الطبقات. ليس هذا فقط، فالضغط في طبقة الوسيع أعلى بكثير من ضغط الخبر وأم أرضمه. ولو حدث أي اتصال بين الطبقات الثلاث من خلال آبار الوسيع، سواء بقصد أو بسبب خلل فني، لاندفعت كميات كبيرة من مياه الوسيع إلى الخبر وأم أرضمه ولوحظ ارتفاع منسوب مياه الطبقتين العلويتين، وليس العكس. ولأن ملوحة مياه الوسيع أكثر من أربعة أضعاف مياه الطبقتين، الخبر وأم أرضمه، فإن أي تسرب من الوسيع إلى تلك الطبقات سوف يضاعف من ملوحتها إلى درجة غير مقبولة، وهو ما لم يحدث. وهذا ينفي نفيا قاطعا أن يكون لـ"أرامكو" أي دور في النضوب الطبيعي لمياه الأحساء الجوفية. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن وزارة الزراعة والمياه ووزارة البترول كانتا آنذاك تشرفان إشرافا مباشرا على عمليات ضخ المياه إلى الحقول النفطية التي كانت تقوم به شركة أرامكو. وكانت الشركة تقدم تقارير دورية للوزارتين عن الوضع المائي السائد في المنطقة.
وطبقة الوسيع الحاملة للماء تمتد من شرق الرياض عبر الأحساء إلى المنطقة الشرقية، امتدادا إلى السفانية، تحت أعماق وملوحة تزيد كل ما اتجهنا شرقا. وهناك مصادر تذكر أن طبقات الوسيع قد تكون تمتد من حضرموت في اليمن إلى العراق في الشمال. وما هو حاصل في منطقة الأحساء من ندرة في المياه، نشاهده في مناطق أخرى مثل القصيم، حيث ينخفض منسوب المياه الجوفية سنويا بما يقارب المتر، نظرا للاستهلاك الكبير وعدم وجود مصادر جديدة تغذي الطبقات الحاملة للماء. والمصير واحد، في القصيم وفي الأحساء، وفي المناطق الزراعية الأخرى. فاستهلاكنا المسرف للماء لا يختلف عن استنزافنا للنفط، فكلاهما مآله إلى النضوب. وماذا يبقى لنا على ظهر هذه الصحراء إذا انتهى الماء وانتهى معه مصدر دخلنا في وقت متقارب ونحن لا نزال نسرح ونمرح ونسيح، ولا كأن شيئا غير عادي في حياتنا. وليس من باب المصادفة أن نكون أكبر منتج في العالم للمياه المحلاة من مياه البحر. وحتى لو ضاعفنا إنتاجنا المكلف من مرافق التحلية عدة مرات فلن يكون ذلك كافيا لتعويض النقص المحتمل من مصادر المياه الجوفية الناضبة، ومن المحتمل أن تكون التكلفة خيالية. والأمر سوف يكون أكثر صعوبة عندما ينخفض الإنتاج النفطي المتوقع بعد بضعة عقود وترتفع أسعار الوقود تبعا لذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي