رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الوزراء الجدد وديوان الرقابة ومكافحة الفساد .. ماذا لو؟

أهنئ الوزراء الجدد بالثقة الغالية، وأسأل الله لهم التوفيق والسداد في الرأي. والملاحظ أنه ليس لمعظم الوزراء الجدد علاقة مباشرة بالوزارات التي تولوا قيادتها، بل بعضهم جاء من خلفية معرفية وقطاعات مختلفة تماما عن مهام وأعمال وزاراتهم، وهذا له الكثير من المزايا ولكنه أيضا يوجد عديدا من التحديات في الوقت نفسه. المزايا تكمن في نقل التجربة والمعرفة الجديدة إلى الوزارات، كما أن كل وزير سيعمل على بناء مفهوم خاص به عن الوزارة غير متأثر بالنسيج المعرفي والثقافي المترسخ فيها، وهو ما يتيح له فرصة التطوير والتغيير الإيجابي، وهو ما يسمى "النظرة من خارج الصندوق". لكن مثل هذا التغيير -خاصة الثقافي- يوجد تحديا كبيرا ويتطلب من الوزير بذل جهود هائلة لفهم الوزارة أولا وفهم تفاصيلها وبرامجها ومشاريعها وخططها ومن ثم اتخاذ عديد من القرارات التطويرية، ويجب أن يتم هذا خلال فترة وجيزة ذلك أن المجتمع يلح دائما في طلب تغيرات سريعة وملموسة. التحدي المرتبط بهذه العملية -وهو الأكثر صعوبة- يكمن في اختيار مصدر المعلومات الذي سيعتمد عليه الوزير وطريقة بناء التوصيات وعملية اتخاذ القرارات. فاستخدام موظفي الوزارة كمصدر للمعلومات قد يتسبب في إخفاء قضايا مهمة لأسباب عدة, لعل أهمها طول ممارسة هؤلاء الموظفين لطريقة العمل فلا يشعرون بوجود أخطاء الأداء أو ضعف نظم وإجراءات الرقابة، وبعضهم لم يكن له خبرات خارج هذه الإدارات فلا يمكنه تقييم الممارسة الحالية من خلال مقارنتها بمعايير أو ممارسات متعارف عليها. وفي المقابل فإن تعيين شركات استشارية لهذا الغرض يستهلك الوقت حيث تمضي الشركات الاستشارية وقتا طويلا في فهم الواقع وتستخدم في ذلك موظفي الوزارة أنفسهم أو تجلب كوادر غير مؤهلة، كما لن تظهر نتائج ملموسة سريعة مع استمرار الهدر للموارد. فأين الحل؟
في اعتقادي أن ديوان المراقبة العامة مع هيئة مكافحة الفساد يستطيعون تقديم مشروع مشترك لدعم الوزراء الجدد من خلال القيام بإجراءات مراجعة وفحص شامل للوزارة أشبه بالفحص النافي للجهالة Due Diligence، حيث يتم تقديم تقرير موحد وشامل حول نقاط الضعف والقوة في الوزارة. مشروع مشترك تقوم فيه هيئة مكافحة الفساد من جانبها بدراسة شاملة توظف فيها جميع إمكاناتها ومواردها في سبيل إجراء فحص مهني دقيق وموثق على أعلى مستوى لتحديد بؤر ونقاط الفساد إن وجدت والإجراءات اللازمة لمعالجتها، وتحديد تلك التي من المحتمل أن تكون مصدرا للفساد والإجراءات المقترحة من أجل رصد الفساد عند ظهوره وطرق معالجته، دراسة مشكلات الناس وهمومهم وشكاواهم المتعلقة بأعمال الوزارة وموظفيها، وتتبع المشاريع المتعثرة وأسباب التعثر والحلول المقترحة للمعالجة. دراسة تشمل كل منطقة وكل فرع، ثم يتم مناقشة نتائجها مع الوزير المختص مباشرة ومن قبل رئيس هيئة مكافحة الفساد، ومن ثم الاتفاق على عمل موحد لدعم الوزارة وباتفاقيات ثنائية بين الطرفين الهدف منها أن تقوم الوزارة بالعمل على التطوير والتعزيز الذي تطلبه هيئة مكافحة الفساد وتقوم الهيئة من جانبها بإجراء فحص دوري على نقاط محددة سلفا ترى أنها مصدر لحدوث الفساد، وترفع تقارير دورية للوزير بهذا الشأن.
في الجانب الآخر من المعادلة يقوم ديوان المراقبة العامة بإجراء مراجعة شاملة للوزارة من حيث سلامة الإجراءات المالية واكتمال الوثائق والمستندات والنماذج الإدارية وآلية تطبيق الأنظمة والعقود والالتزام بالتعليمات، إضافة إلى تقويم نظم الرقابة وإجراءاتها وتحليل نقاط الضعف في هذه الإجراءات، كما يقوم الديوان بأعمال مراجعة الأداء لتقويم أداء الإدارات وكفاءة استخدام الموارد المتاحة لهذه الإدارات وفعالية هذا الاستخدام لتحقيق أهداف الوزارة، وكذلك فحص أداء النظم الإلكترونية وتقويم مدى كفاءة وفعالية هذه النظم، وفحص العقود ودراسة مدى الالتزام بها من قبل الوزارة ومن قبل الأطراف الأخرى، وفحص التقارير المالية عن السنوات السابقة، وكذلك مراجعة ملاحظات ديوان المراقبة وماذا تم بشأنها. ثم يتم إعداد تقرير يتضمن رأيا واضحا عن الوضع القائم والتطوير اللازم لكل هذه الجوانب، وأيضا توقيع اتفاقية ثنائية حول آليات متابعة التطوير المحتمل.
ماذا لو حدثت مثل هذه الاتفاقيات؟ في اعتقادي الشخصي أنها ستكون خير داعم للوزراء الجدد وتقدم لهم خدمات ثمينة جدا، وتقارير ثرية عن الوزارة ومن أطراف محايدة تماما وتهتم بمصلحة الوطن أولا وأخيرا بحكم مهامها وهي مكلفة بذلك وهي أيضا تمتلك الخبرات الكافية والمناسبة. أضف إلى ذلك أن تكلفة هذه الإجراءات ستكون محدودة على مستوى الوزارة، كما أن عوائدها كبيرة جدا على مستوى الوطن.
لو حدثت مثل هذه الاتفاقية سوف تؤسس لعمل متوازٍ وتنسيق مشترك بين هيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة، وقد يتم من خلالها تطوير استراتيجيات مشتركة تهدف إلى تركيز الجهود كل عام على فحص وتقويم أعمال وزارات محددة، تعمل من خلالها الهيئة والديوان على بناء فرق عمل مشتركة تعمل على القيام بفحص شامل ودقيق وتقويم الأنظمة والتعليمات وفحص مناطق الضعف والقوة وإجراءات الرقابة، ورفع تقارير للملك ولمجلس الوزراء لتعزيز الإصلاحات وتطوير الأنظمة وسد الثغرات النظامية والإجراءات التي تنفذ منها الأخطاء الجوهرية والفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي