رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وفقا لمؤشر الفساد .. الدول العربية الأكثر فسادا في العالم

أصدر مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية تقريره عن الفساد حول العالم لهذا العام 2014 الذي يعتمد على معايير اقتصادية معترف بها دوليا من أجل تصنيف الدول وفقا لمستويات الفساد في القطاع العام فيها. وتضم القائمة لهذا العام 177 دولة تحتل فيها الدولة الأكثر فسادا المركز الأخير، والأقل فسادا المركز الأول.
وقد تصدرت كل من الدنمارك ونيوزيلندا الدول الأكثر تقدما بحصولهما على المركزين الأول والثاني في قائمة المؤشر، وحلت فنلندا في المركز الثالث، بينما تساوت النرويج وسويسرا في المركز الرابع، وجاءت بريطانيا في المركز الـ 14 بينما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز الـ 20.
وقد احتلت كل من الصومال وكوريا الشمالية ذيل القائمة يليهما السودان حيث وقعت تحديدا في المركز الـ 173. وجاءت بعض الدول العربية متقدمة نوعا ما على الرغم من أعمال العنف والخراب والدمار التي تجري فيها، مثل العراق الذي حل في المركز الـ 170، وليبيا في المركز الـ 166، واليمن في المركز الـ 161، وسورية في المركز الـ 159، إلا أن جميع هذه الدول دخلت بين الدول العشر الأكثر فسادا في العالم. وتراوح بقية الدول العربية ما بين الـ 49 و136 باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعد الأفضل عربيا بحلولها بالمركز الـ 25 عالميا، وحلت قطر ثانيا في المركز الـ 26 عالميا.
ولو سلمنا بصحة هذه النتائج فإنه يتضح لنا أمران مهمان: الأمر الأول أن النزاهة ليست حكرا على الدول المتقدمة بل يمكن للدول النامية والأقل نموا أن تنعم بالنزاهة وأن الفساد يمكن القضاء عليه. فها هي الإمارات العربية المتحدة حصلت على المركز الـ 25 عالميا وبهذا فهي لا تبتعد كثيرا عن الولايات المتحدة الأمريكية التي احتلت المركز الـ 20.
الأمر الثاني أننا كنا نتوقع أن الديمقراطية لها علاقة بالنزاهة فكلما زاد معدل الديمقراطية في بلد كان أقرب إلى النزاهة إلا أن هذا يتناقض مع بعض النتائج التي توصل إليها هذا المؤشر. فهناك دول غير ديمقراطية حصلت على درجات متقدمة في النزاهة ومحاربة الفساد وهذا يدل على أن طبيعة الحكم ليس له علاقة في انتشار الفساد من عدمه. كما أن الدولة العظمى في العالم التي تتشدق بالديمقراطية وترسل الجيوش من أجل إزالة دول من الوجود وإنشاء دول أخرى على أنقاضها بحجة نشر الديمقراطية نراها لم تصنف ضمن الدول العشر الأكثر نزاهة في العالم حيث احتلت المركز الـ 20 وهذا ترتيب معيب ويضع هناك أكثر من علامة استفهام على تزعمها الحروب ودخولها الدول عنوة بحجة افتقار تلك الدول إلى الديمقراطية. وهذا يقودنا إلى نتيجة أخرى بينها التقرير وهي أن العراق قد احتل المركز الـ 170 عام 2014 وقد تحسن وضع العراق عن الأعوام الماضية إبان كانت محتلة من الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الديمقراطية حول العالم.
إلا أن الشيء المحزن هو وضع دولنا العربية بشكل عام التي تتخذ من الإسلام دينا لها ونراها في كل محفل وفي كل منبر تتغنى بتعاليم الإسلام الذي تدين به وأنه يحض على محاربة الفساد وإعطاء كل ذي حق حقه إلا أننا نجد أن أغلب الدول العشر الأكثر فسادا في العالم هي دول عربية. وأريد أن أتوقف عند هذه النقطة لنلقي الضوء على الأسباب الحقيقية لانتشار الفساد في البلاد العربية.
أول سبب أراه هو الاستبداد السياسي. فعلى الرغم من أن نتائج التقرير بينت لنا أنه لا يوجد علاقة بين انتشار الديمقراطية في بلد وبين زيادة معدل النزاهة إلا أن الاستبداد السياسي يظل سببا جوهريا لانتشار الفساد لأنه يلغي المحاسبة ويكمم الأفواه ولا يحق للجهات الرقابية أن تمس مؤسسات الدولة السيادية. السبب الثاني انتشار الخوف وضعف الأمن فلو تم قياس الفساد في الدول العربية قبل موجة الربيع العربي أظنها ستحصل على مراكز متقدمة نسبيا. كما أن هناك عادات اجتماعية وأعرافا قبلية ينفرد العرب عن غيرهم في تفسير معناها وزخرفة محتواها وأرى أن لها أثرا في زيادة معدل الفساد مثل الواسطة التي يطلق عليها الشفاعة والرشوة التي يطلق عليها هدية واستباحة المال العام الذي يطلق عليه تحسين أوضاع. وقد أفرزت هذه العادات عدة سلوكيات بغيضة أدت إلى جنوح العمل الإداري في بيئاتنا التنظيمية والسلوك الفردي في مجتمعاتنا العربية عن مسيرته الطبيعية، وإذعان المجتمع ومؤسسات الدولة لمثل هذه الظواهر.
فالواسطة على سبيل المثال انتشرت وتأصلت كمبدأ وكوسيلة قوية نتيجة الدعم الاجتماعي والإرث الثقافي. فوفقا لموروثنا الإسلامي تعتبر ''الواسطة'' مرادفا للشفاعة، ووفقا لعادتنا القبلية تعتبر ''الواسطة'' مرادفا لبذل الجاه. والجاه أحد الأعراف القبلية الموروثة، وقد كانت تستخدم في الجاهلية وصدر الإسلام وقد أصلت كثيرا من المعاملات المالية الإسلامية كمبدأ ''الكفالة'' بناء على الجاه. لذا ترسخت جذور ''الواسطة'' في مجتمعاتنا العربية وأصبحنا ننظر إليها كفضيلة بدعم من المرجعية الدينية والعادات القبلية، ومجتمعاتنا العربية مزيج من هذا وذاك بينما ينظر غيرنا إلى الواسطة على أنها أحد أبرز ظواهر الفساد. ترى لو تخلينا عن هذه العادات البالية وسمينا الأشياء بمسمياتها هل سيكون لذلك أثر في تصنيفنا من قبل الجهات المعنية بقياس الفساد؟
هذه هي قراءتي لما صدر أخيرا من نتائج عن المؤشر التابع لمنظمة الشفافية الدولية نتمنى من دولنا وشعوبنا أن تتضافر لأجل رفع مراكزها في مجال النزاهة بتتبع خطوات القضاء على الفساد من أجل سمعة أوطاننا وديننا وشعوبنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي