الدور الرقابي الغائب لمجلس الشورى
لمجلس الشورى الموقر وظيفتان رئيستان هما سن القوانين والرقابة العامة على مشاريع الدولة، بالنسبة لسن القوانين، فإن النظام الأساسي للحكم أعطى لمجلس الوزراء حصة أكبر في سن القوانين، ولذلك فإن وظيفة الرقابة العامة على أداء مؤسسات الدولة هي الوظيفة الرئيسة لمجلس الشورى.
نعم، نحن جميعا نسلم بأن مجلس الشورى في بلادنا هو السلطة الرقابية الأولى في المملكة، ومن باب ثقتنا بمجلس الشورى، فإننا نضع على كاهله هذه المهمة الثقيلة، ومن خلال هذه الوظيفة أريد أن أسأل كل عضو من أعضاء مجلس الشورى، هل تابعتم على مدى ستين عاما مشاريع مدينة جدة الثلاثة التي بدأ تنفيذها منذ عهد مجلس الشورى الأول الذي كان مقره مكة المكرمة، ومع الأسف ما زال تنفيذ هذه المشاريع قائما حتى عهد مجلس الشورى الحالي، والمشاريع التي أعنيها هي: تـصريف مياه الأمطار، والصرف الصحي، وتصريف مياه السيول.
هذه المشاريع الثلاثة بدأت منذ ستين عاما تقريبا وما زال تنفيذها جاريا حتى الآن ولم تنته بعد، لأن العجلة من الشيطان، وهنا نسأل: ألا يحق للسلطة الرقابية الأولى التي تقوم بوظيفتي التشريع والرقابة أن تسأل، بل تحقق في أسباب عدم انتهاء مشاريع حيوية مضى على تنفيذها أكثر من ستين عاما، وهل حسبت السلطة الرقابية كم دفعت الحكومة حتى الآن لتنفيذ هذه المشاريع ولكنها ــ مع كل هذه المليارات من الدولارات والريالات ــ لم ينته تنفيذها بعد، وما زالت تستنفذ من خزانة الدولة المزيد من المال، ألا يحق للسلطة المسؤولة عن الرقابة أن تضع حدا لهذه المشاريع وتخرج بمشروع يحدد زمنا محددا للانتهاء من تنفيذ هذه المشاريع وإدخالها في الخدمة حتى يستفيد الناس بها، ولا سيما أن أضرارها طالت كل مواطن في هذه المدينة المكلومة؟
إن بقاء هذه المشاريع الثلاثة معلقة تحت التنفيذ إلى ما لا نهاية يجعل موقف السلطة الرقابية الأولى في مرمى المؤاخذة والتقصير، لأن هذه المشاريع المتلكئة عكرت صفو المدينة، وإذا استمرت هذه المشاريع رهن التنفيذ الملتوي، فإنها قد تخرج مدينتنا الوسيمة من قائمة المدن ذات التراث العالمي التي اعتمدتها اليونسكو في العام الماضي!
إن استمرار تنفيذ ثلاثة مشاريع عملاقة لأكثر من ستين عاما تحت وفوق الأرض يعكر جو البيئة النظيفة ويؤدي إلى تلويث مناخ المدينة، بل يؤدى إلى تعطيل تنفيذ الكثير من مشاريع التنمية المستدامة.
إن مستقبل مدينة جدة يقع بالفعل تحت تهديد هذه المشاريع (الشهيرة!)، فمشروع الصرف الصحي وحده يهدد العمائر الجميلة التي ارتفعت فوق المدينة وكلفت الغالي والنفيس، وأصبحت كالشموع تطل على مدينة ما زالت تبحث عن الموعد المحدد لانتهاء أهم المشاريع الحيوية، كما أن مشروع تصريف مياه السيول ما زال يهدد أرواح الناس وممتلكاتهم، أما مشروع مياه الأمطار فهو كفيل بتلويث المدينة وملئها بالحشرات والأمراض الفاتكة.
في الأيام القليلة الماضية رزقت جدة (ولم أقل رزئت جدة) بوابل من الأمطار افترشت حواريها وملأت أنفاقها وألحقت أضرارا كبرى ببيوتاتها ومولاتها وشوارعها حتى علمها الخفّاق اجترأت عليه وأطاحت به من أعلى سارية في العالم.
وكعادة كل موسم تعاني جدة الأمرين من هطول الأمطار، التي تحولت بسبب التقصير من نعمة إلى نقمة، ومن بين ركام ستين عاما تقفز قضية المشاريع الثلاثة على ألسنة الناس الذين يعاودون التساؤل، ما المراحل التي قطعتها، ومتى تنتهي، هل اقتربنا من النهاية، أم أن المشوار ما زال بلا نهاية؟
دعوني أقص عليكم قصتي مع سائقي الهندي، كان يمشي الهوينا ويشق بحر المياه الراكدة، فقلت له بلادكم تهطل فيها الأمطار كثيرا، فقال أكثر من ثمانية شهور في السنة وعلى مدى 24 ساعة، فقلت له كيف تتعاملون مع الأمطار، فابتسم وقال مياه الأمطار لا تبقى دقيقة في الشوارع، كل يذهب إلى طريق، لا نعرف أبدا هذه البحور من المياه الراكدة التي تجلب الحشرات والناموس وتجعل البيئة ضارة بالصحة في المدينة بأكملها.
فقلت له أنتم دولة نامية، وكل مدن أوروبا وأمريكا تهطل فيها الأمطار صباح مساء ولا يوجد أثر للأمطار في شوارعها وحواريها ومولاتها، فلماذا نحن فقط التي تبقى فيها الأمطار تجلب لها الأضرار والأتعاب وتلوث مناخها وتوسخ شوارعها، لماذا نحن فقط الذين "نغرق في شبر مويه"!
والآن أتساءل: ألا تستحق مشاريع تائهة من مؤسسة رقابية كبرى كمجلس الشورى أن يفتح المجلس ملف التحقيق لمعرفة حقيقة فشل مشاريع حيوية وحكومية مثل مشاريع الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار وتصريف السيول؟
أليس من واجب مجلس الشورى أن يخدم الوطن والمواطن ويحميه من الكوارث والأتعاب التي تعترضه في حياته العامة، أقول بعد أن أنهكنا تعب الانتظار نحن نرفع عقيرة شكوانا إلى المؤسسة الرقابية الأولى في بلادنا الحبيبة، ونطالب بالتحقيق الجدي والفعال الذي يضع الأمور في نصابها إزاء مشاريع يحوم حولها الشك من كل جانب!
أتمنى من مجلس الشورى الموقر أن يفتح ملف التحقيق حول المشاريع الثلاثة المذكورة، ولكن بشرط أن يبلغ الناس بما توصل إليه من نتائج إيجابية تنهي كل هذه السنين التائهة والضائعة!