«الشورى» وثروة البلاد النفطية
مجلس الشورى هو المكان الوحيد في بلادنا الذي من حقه، بل من صلب مسؤوليات أعضائه وواجباتهم، فتح باب النقاش والحوار العلني حول الموضوعات التي تتعلق بمستقبل اقتصاد هذه الأمة. ونحن لا نشك مطلقا في أن لأعضاء مجلس الشورى كلمة مسموعة لدى القيادة العليا الله يحفظهم. ولو طلب منا اقتراح اسم جديد لأعضاء المجلس لما وجدنا أفضل ولا أنسب من تسميته "مجلس النخبة". فهو فعلا يضم نخبة من المواطنين ذوي الخبرات الطويلة والشهادات العالية والمواطنة الحقة والضمائر الحية المخلصة، ولا نزكي أحدا على الله. وهذا ما يرفع من مستوى توقعاتنا لإنجازاته وقوة دفعه لتنفيذ توصياته واقتراحاته. ولا نود لمجلس الشورى، أو بالأحرى مجلس النخبة، أن يكون مجرد صالة أو استراحة للمتقاعدين يتلهون داخلها في نقاشات ومحاورات حول مواضيع لا يرى مفعولها النور أو ليست لها الأهمية المطلوبة. فلدينا من الأمور المهمة والموضوعات المصيرية والطموحات الاستراتيجية ما يتطلب مجهودا مضاعفا من قبل إخواننا في المجلس من أجل تقديم مرئياتهم واقتراحاتهم إلى مقام الجهات المختصة من أجل النظر فيها وإصدار الأوامر والتوجيهات لتنفيذها. وعلى رأسها مستقبل ثروتنا النفطية القابلة للنضوب. فليس سرا أننا في الوقت الحاضر نعيش بكامل دخلنا ومعيشتنا ورفاهنا عالة على المداخيل النفطية، وهو أمر في غاية الخطورة بالنسبة لمستقبل البلاد والأجيال، وسط صحراء خالية تماما من جميع مقومات الحياة. وقد لعبت البيروقراطية وغياب الجدية والعمل المنظم السليم دورا بارزا في عدم نجاح جميع الجهود المتواضعة التي بذلت من أجل إيجاد مصادر للدخل لا ترتبط بالمصادر النفطية خلال أكثر من أربعين عاما مضت، هي عمر محاولاتنا الفاشلة نحو تنويع الدخل العام من أجل تخفيف الاعتماد على الثروات الناضبة. مع أن توجيهات المقام السامي تصب دوما فيما فيه خير البلاد والعباد. ولا يختلف اثنان على أنه لو استمر الوضع على ما هو عليه اليوم من استنزاف مخيف للمواد النفطية المخزونة منذ مئات الملايين من السنين فسوف نجد أنفسنا بعد عقود قليلة نعيش وسط صحراء جرداء قاحلة وبدون دخل يفي بأدنى ملتزمات الحياة الكريمة. وما سوف يزيد من صعوبة الأمور، كون عدد السكان في ذلك الحين قد تضاعف عدة مرات، نظرا للغياب الكامل وقت الرخاء لتنظيم النسل، الذي أصبح في العصور الحديثة من أسس بناء المجتمعات المتحضرة. وما يدعو إلى الأسف أنك لا تشاهد اليوم بوادر جديدة ومشجعة لتغيير ما نحن عليه من غفلة وإهمال لأمور مصيرية بالنسبة لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا الذين لا ذنب لهم سواء أننا كنا بقدرة الله سببا في وجودهم على هذه الأرض.
مجلس الشورى هو بمثابة البرلمان، أو المكان الذي يتداول فيه أعضاؤه مختلف القضايا والأمور التي تهم الأمة. ومن خبراتهم وعلمهم والمشاركة الجماعية يتوصلون إلى نتائج وحلول تتعلق بالقضايا المعروضة عليهم. ولا نرى في وقتنا الحاضر أكبر أهمية ولا أكثر إلحاحا من المواضيع المرتبطة بمستقبل ثرواتنا النفطية التي هي مصدرنا الوحيد للدخل. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم، هو هل هناك ضرورة وطنية اقتصادية تجبرنا على الاستمرار في نهج الإسراف في الإنتاج؟ نحن الآن أمام تحديين. الأول، إصرارنا على الاعتماد الكلي في دخلنا القومي على مصدر واحد قابل للنضوب. وهو دون شك خطأ استراتيجي يجب التفكير فيه ولا بد من تصحيحه. لأن العاقبة، إن لم نفعل، معروفة. وهي أننا سوف نجد أنفسنا في يوم ما، قد لا يكون بعيدا، أمام موقف حرج للغاية، يتمثل في نضوب نسبة كبيرة من دخلنا. وهذا ما لا نرضاه لفلذات أكبادنا وأحفادنا، خصوصا ونحن اليوم نعيش في رفاه خيالي. ونستقدم من أنواع وأشكال العمالة الوافدة ما يزيد على نصف عدد السكان من أجل خدمتنا وزيادة سبل الراحة لنا ولأبنائنا. حتى وصلنا إلى مرحلة جلب العمالة على حساب مشاريع وهمية ثم نطلق لهم العنان لكي يتصرفوا كيفما شاؤوا. فنسبة كبيرة من محال التجزئة المنتشرة في مدننا وقرانا تديرها العمالة الوافدة لحسابهم الخاص. ثم يصدرون مكاسبهم الكبيرة إلى بلدانهم الأصلية. وهذه العمالة التي يقدر عددها بالملايين، بحكم وجودها بيننا، تستفيد من جميع المميزات التي تكلف الخزانة العامة مليارات الريالات من إعفاءات وإعانات وتخفيضات، إلى جانب إنهاك مرافق البنية التحتية. فهل هناك استنزاف للاقتصاد الوطني أكبر من ذلك؟
أما التحدي الآخر الذي يواجهنا، فهو رفع كمية الإنتاج النفطي إلى مستويات تفيض عن حاجتنا التي تمثل كامل دخلنا. وهناك مستويين من الإنتاج. مستوى يفي بجميع متطلبات معيشتنا. وهذا بحد ذاته إسراف لا مبرر له. لماذا؟ لأنه أوجد منا في دول الخليج شعوبا اتكالية تبحث عن مزيد من الثراء والرفاه دون أن نكون بحاجة إلى الكد والعمل. ومع ذلك فلم نكتف بما يكفينا من الدخل، بل رفعنا إنتاجنا فوق مستوى الكفاية إلى مستوى ما فوق الكفاية. وفاض الدخل على الميزانية الضخمة بمبالغ كبيرة. وهذا وضع غير صحي، رغم أن ظاهره يوحي بأنه نمو مرغوب.
نريد من أحبائنا أعضاء مجلس الشورى أن يبدوا رأيهم في هذا الموضوع الحساس. وليس بالضرورة طلب تغييره، فربما أن هناك عوامل وظروفا خاصة ليس من شأننا التدخل فيها.