هل ستختفي طلاسم التعليم التقني والفني؟
تنص رؤية التدريب التقني والمهني على "الإسهام الفاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بتوفير التدريب التقني والمهني لأبناء وبنات الوطن، بالجودة والكفاية التي يتطلبها سوق العمل، وتحقيق ريادة عالمية تكفل الاستقلالية والاكتفاء الذاتي".
عدم تحقيق هذه الرؤية جعل أصوات الكثير من كتاب الأعمدة ترتفع، وأدى إلى الانتقادات الحادة التي وجهها بعض أعضاء مجلس الشورى حول مدى إسهام مخرجات مؤسسة التدريب التقني والمهني في خدمة التنمية، وقال عنها بعضهم بأن قراراتها غير مدروسة، خاصة تلك المتعلقة بالتوسع السريع في إنشاء ما يسمى بـ "كليات التميز"، بل وصفت تلك التحركات بالطلاسم التي عجز أصحاب العقول والخبرة في فك رموزها، إذ كان من المتوقع التريث في التوسع لحين تقييم التجربة من خلال أداء عدد محدود من تلك الكليات!
لقد ارتفع عدد هذه الكليات إلى 37 كلية خلال هذا العام، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 50 كلية في المستقبل القريب، لا أدري كيف ستتمكن هذه الكليات من توفير المحاضرين والمدربين المؤهلين تأهيلا عاليا! لذلك أخشى أن تكون مخرجاتها بنفس مستوى مخرجات مؤسسات التدريب التقني والمهني التي يبدو أنها لم تفلح كثيرا في تلبية احتياجات التنمية على الرغم من عمرها المديد (منذ إنشائها في عام 1400هـ)، وبميزانية تجاوزت ستة مليارات لعام 1434/1435هـ، فنادرا ما نسمع عن أحد خريجي هذه المؤسسة يمارس الأعمال الفنية والتقنية في ورشة أو مصنع أو شركة صناعية، بل الأدهى والأمر أن بعضهم يقف في طوابير الانتظار للحصول على مكافأة "حافر"، وبذلك لم تستفد هذه المؤسسة من قصة نجاح كليات محلية مثل "كلية الجبيل الصناعية" التي يعزى نجاحها إلى قدرتها على عقد شراكات ناجحة مع منشآت القطاع الخاص ينتج عنها تلبية متطلباتهم!
في الحقيقة، لم يعد بناء القدرات والكفاءات التقنية والفنية والمهنية ترفا، بل أصبح ضرورة يتوقف عليها استمرار بناء اقتصاد قوي من خلال نجاح توطين المهن ومن ثم انتقال التنمية لمرحلة جديدة تتسم بالاعتماد على سواعد وطنية، وتعزيز ثقافة الصناعة والتقنية لدى القوى الوطنية، بدلا من أن تكون مصانعنا ورش عمل مدفوعة الأجر للعمالة الوافدة من شتى بقاع الأرض.
يعتقد البعض بأن بعض مخرجات مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني تنتهي في طوابير البطالة أو العمل في مهن لا تمت لتعليمهم وتدريبهم بصلة مثل الحراسات الأمنية ونحوها. وبدلا من سعي المؤسسة بخطوات ثابتة وتدريجية وتخطيط مدروس للنهوض بالتعليم التقني والمهني من خلال شراكات محلية وعالمية، فقد توسعت في نشر كليات التميز دون موافقات عليا، فليس من المناسب أن تؤسس الكليات التقنية لاستقبال الوافدين، ما يعمق الخلل ويعيق الاعتماد على القوى العاملة الوطنية، وعلاوة على ذلك أقدمت على تأسيس مركز وطني للتقويم والاعتماد المهني مع وجود مؤسسات وطنية متخصصة في هذا المجال، وفوق هذا وذاك، ليس من المناسب مهنيا أن تقوم المؤسسة باعتماد الكليات والمعاهد التدريبية التابعة لها، بل إن التقييم والاعتماد يتطلبان جهة محايدة.