من له حق في إيقاف المراجع القانوني؟ .. «ديلويت» مثالا
إيقاف "ديلويت" عن أعمال المحاسبة القانونية، هذا هو النص الذي أوردته وكالات عالمية، وترددت كلمة "إيقاف" في الصحف والمنتديات حتى وصلت إلى "واتساب"، و"تويتر"، حاولت أن أصل إلى نص القرار ومن أصدره. لا أعرف لماذا لم أجد نسخة واضحة من القرار في الصحف الرئيسة، ثم وردتني نسخة عن طريق "تويتر"، وتبين لي أنها تعميم من هيئة السوق المالية إلى الشركات المساهمة المدرجة في السوق بناء على قرار لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، ويتضمن إلزام "مكتب ديلويت" وعدد من الأشخاص المرخصين في المكتب "بالتوقف" عن أعمال المحاسبة القانونية للأشخاص المرخص لهم وأي شخص مصدر للأوراق المالية أو يعتزم إصدارها ابتداء من تاريخ 1/6/2015 وحتى انتهاء القضية. هذا التعميم أفضل ما وجدته في قضية "إيقاف" مكتب ديلويت. وقد ذكرت وكالات أنباء منها وكالة "بلومبيرج" المختصة بالمال والأعمال أن الإيقاف جاء بسبب قضية "مجموعة المعجل".
أؤكد في مقالي أنني لست مهتما بما ستنتهي إليه القضية ولست أيضا من مساهمي شركة المعجل وليس لي علاقة بمكتب ديلويت، لكني مختص في مهنة المراجعة وقد قضيت فيها نصف عمري حتى الآن فأنا مهتم بها جدا، ويهمني تطورها وأن تسير وفق الطريق الصحيح لا أن تنهار أو تنحاز عنه فجأة بلا سبب واضح وجلي. ما حدث في تعميم هيئة السوق المالية وقرار هيئة الفصل في المنازعات سابقة لم تحدث من قبل، ولم أسمع شخصيا في أي دولة متقدمة في هذه المهنة أن لجنة مختصة بقضايا الأوراق المالية تصدر حكما بإيقاف محاسب قانوني مرخص له من جهة أخرى ويخضع لنظام مختلف، ولعل هذا نقص في تجربتي ولعل أساتذتي الكبار يصححون لي خطئي، كيف أن هيئة الفصل في المنازعات تصدر قرارا بإلزام مكتب محاسبة مرخص "بالتوقف عن تقديم الخدمات حتى تنتهي القضية"، هذه العبارة لم أفهمها أيضا وليست مما درسته في المخاطر التي يتعرض لها المراجع، ولا أعرف أن نظام المحاسبين القانونيين أشار إليها لا من قريب ولا من بعيد، ومرة أخرى لعل أساتذتي الكبار يصححون خطئي إن أخطأت.
وفقا لنظام المحاسبين القانونيين السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/12 وتاريخ 13/5/1412هـ، فإن القضايا التي ترفع على المحاسب القانوني إما أن تكون مسلكية (أي مخالفة لقواعد السلوك المهني) وهذه يتولى النظر والحكم فيها لجنة يشكلها وزير التجارة وفقا لنص المادة الـ 29، فإن رأت هذه اللجنة أن المخالفة تشكل "جريمة" فتقوم بإحالتها إلى الجهة المختصة ثم بعد الحكم فيها تنظر اللجنة مرة أخرى في المخالفة من الناحية المسلكية ولها إيقاع إحدى العقوبات التالية: اللوم - الإنذار - الإيقاف عن ممارسة المهنة مدة لا تزيد على ستة أشهر. وللمخالف حق التظلم إلى ديوان المظالم.
لاحظ أن "الإيقاف" في نظام المحاسبين القانونيين الصادر بالمرسوم الملكي يعتبر"عقوبة" من صلاحيات اللجنة المختصة وفقا لنظام المحاسبين وهذا هو الشاهد في المقال، وهذه العقوبة تسبقها عادة عقوبة اللوم والإنذار وذلك بحسب حجم المخالفة، لكني لم أسمع أن الإيقاف (الذي يعد عقوبة مهنية بذاته) يصدر حتى تنتهي القضية، فكيف صدرت العقوبة والقضية لم تزل تحت النظر ومن جهة ليس لها الحق في إصدار عقوبة الإيقاف. وفي هذا فلا ينظر للمسألة كإجراء روتيني للاحتراز مثل كف اليد وهو ما يمكن اتباعه مع مهن أخرى كالطب أو مثل ما يحصل عند كف يد موظف عن العمل حتى يفصل في القضية، الإيقاف عندنا نحن المحاسبين حكم "بعقوبة" لا تصدر إلا من خلال لجنة مختصة وليس قبل النظر في القضية. والملاحظ في نظام المحاسبين القانونيين أن من تعرض لحكم الإيقاف فإنه يحق له أن يرفع تظلمه إلى ديوان المظالم. ليس هذا فحسب بل إن النظام صريح جدا فيما يتعلق بضرر الغير، المادة الـ 15 تنص على أن يسأل المحاسب القانوني عن تعويض الضرر الذي يصيب العميل أو غيره بسبب الأخطاء الواقعة منه في أداء عمله وتكون المسؤولية تضامنية بالنسبة للشركاء في شركات المحاسبة.
والآن لنعد ترتيب الأوراق، هيئة الفصل في منازعات الأوراق المالية أصدرت قرارا في دعوى لا نعرف حيثياتها بعد ولا صلاحياتها، يلزم بالتوقف عن تقديم خدمات المراجعة ولمدة غير محدودة مرتبطة بقضية لم تنتهِ بعد ولا نعرف متى، وكل هذه المعلومات وردت من خلال تعميم لهيئة السوق المالية. والسؤال الآن، أين هيئة المحاسبين وفقا لنظامها؟ وأين وزارة التجارة المعنية بالموضوعات المدرجة في هذه القضية سواء التنفيذيين في شركة المعجل (كشركة) أو ديلويت (كمهني مرخص)؟ (وهو ما يذكرنا بموضوع «المتكاملة» عندما تدخلت هيئة الاتصالات في صلاحيات وزارة التجارة).
لا أحد يقول هنا: إن قرار التوقف فقط في سوق الأوراق المالية بينما لم يزل ديلويت مرخصا في غيرها، هذا أيضا لا وجود له في عالم مهنة المحاسبة فإما أن المراجع مؤهل أو غير مؤهل مرخص أو غير مرخص، لا فرق عندنا بين شركة مساهمة وغيرها. فإذا كانت أخطاء ديلويت في قضية المعجل تعود إلى "الإهمال الجسيم" بسبب الإخلال بالمعايير المهنية فأيضا لا فرق بين شركات مساهمة وغيرها، المعايير هي المعايير والإهمال هو الإهمال والعقوبة تصل إلى تعويض الضرر والشركاء متضامنين ويحكم بالتعويض من المحاكم المختصة،لكن عقوبة الإيقاف عن العمل من اختصاص لجنة المحاسبين فقط. فإذا كان الإهمال "جنائيا"،فإن لها طريقا آخر غير كف اليد.
مرة أخرى ودائما أقولها: لست مع هذا ولا ضده، القضية هي المحافظة على نظام واضح يمكننا جميعا التقاضي أمامه، وأن تكون المساءلة والشفافية عند أعلى مستوى، قد تكون شركة ديلويت قادرة على تجاوز هذه القضية بفضل خدمات أفضل المحامين لكن من يحمي المكتب الصغير إذا تعرض لمثل هذه التعسف (في نظري)، ولم نزل نتذكر كيف وقف المحاسب القانوني لشركة بيشة وحيدا في مهب الريح لسنوات أمام القضاء ولم تقدم له هيئة السوق ولا هيئة المحاسبين ولا هيئة الفصل في منازعات الأوراق المالية ما يشفع لهم ادعاء تطوير جودة أعمال المراجعين.