رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


كيف يجب أن نفكر: الحد من السكان؟ أم الارتقاء بالخدمات؟

أسقط مجلس الشورى أخيرا توصية "لجنة المياه والإسكان والخدمات"، بشأن وثيقة "السياسة السكانية"، والمعدة من "وزارة الاقتصاد والتخطيط"، حيث كانت اللجنة قد أوصت بحذف عبارة (خفض معدل الخصوبة الكلي، وتشجيع المباعدة بين الولادات ضمن الأسرة)، الواردة في "محور التنمية والسكان" من الوثيقة، بهدف تحقيق التوازن بين النمو السكاني والموارد الطبيعية والاقتصادية، والتخفيف من الضغط على الموارد الطبيعية والخدمات، إضافة إلى الحفاظ على صحة الأم.
حقيقة، عندما قرأت هذه العبارة، قدح في ذهني أن "التخطيط السليم" فقط هو ما يقود إلى حل مشكلات المجتمعات. و"التقدير الخاطئ" لمنابع المشكلة، هو مشكلة في حد ذاتها.
تخيل وأنت تتصفح الأخبار، وتبحث عن حلول لتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، وتوطين الوظائف، والارتقاء بنوعية الخدمات العامة والخاصة، ثم تُفاجأ بهذه العبارة، وبمثل هذه المبررات!
هذه العبارة تعطينا مؤشرا قويا عن توجهات الوزارة، وطريقة تفكيرها، وهي المناط بها مهمة "التخطيط الاستراتيجي" للدولة. فكيف للوزارة أن تعزو هذا المقترح إلى التخفيف عن الخدمات العامة وما شابه ذلك، بينما هذا المقترح لا يلامس المشكلة التي عزيت إليها! هذا في حال سلمنا بأن هنالك مشكلة في تزايد السكان، فلا يوجد حقيقة مفادها أن صغر حجم الأسرة مرتبط بتخفيف الضغط على الموارد، بل قد يكون - على النقيض تماما - مصدر قوة للاقتصاد وللدول عموما، خاصة إذا كانت القوى العاملة منتجة ومسهمة في تحقيق "الأهداف التنموية". وهذا ما أشار إليه "ديفيد بروكس" في مقالته في "نيويورك تايمز" بقوله: (لعقود من الزمان، نظر الناس إلى "النمو السكاني" كمشكلة. بينما أصبح توجه الدول حاليا هو النظر إلى "النمو السكاني" كمورد نادر يجب استثماره بفعالية).
وعلى صعيد آخر نجد أن فكرة "تنظيم النسل" أصبحت "ثقافة" منتشرة في هذا الجيل بشكل كبير، حيث تتحدث الإحصائيات عن انخفاض "معدل الخصوبة الكلي" للمواطنات خلال الـ 30 سنة الماضية، حيث وصل إلى "ثلاثة مواليد أحياء" في الأسرة السعودية الجديدة! كما تتحدث الإحصائيات العالمية عن الانخفاض السكاني وأن السعودية تشهد أسرع الانخفاضات في التاريخ بمعدل 60 في المائة، بعد إيران التي جاءت بمعدل 70 في المائة.
كان من الأولى لوزارة الاقتصاد والتخطيط أن تفكر بطريقة مغايرة. فهل من الأفضل أن نخطط للحد من "النمو السكاني"؟ أم في التطوير النوعي للخدمات العامة والخاصة بما يواكب هذا النمو؟
هنالك الكثير من المقترحات، والكثير من الفرص القادرة على إحراز تقدم. ففي المعدلات العمرية للسكان، تمتلك المملكة ميزة من حيث متوسط أعمار شبابها، وهو ما يدعو إلى ابتكار حلول جذرية لعلاج مشكلات "البطالة" واستثمار طاقات الشباب على كل الأصعدة.
وفي المناخ الاقتصادي الحيوي للمملكة، هنالك الكثير من الفرص لتقوية مستقبل الوطن اقتصاديا، بما يضمن للأجيال المقبلة الكثير من الرخاء ورغد العيش بإذن الله.
بل يمكن أن نقول إن هنالك "مساحات شاسعة" للتخطيط الشامل والشراكة مع وزارات الصحة والتعليم والعمل والشؤون الاجتماعية، لم تستغل بعد بما يحقق العائد على جودة التخطيط الاستراتيجي للدولة، وهو ما ننتظره من وزارة تتولى مهمة بهذا الحجم.
وباختصار، يمكن أن نقول إن كل ما يتعلق بمستقبلنا هو من مهام وزارة الاقتصاد والتخطيط، والمتوقع منها أن تكون "الحلول" بمستوى "الأحلام"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي