ماذا نتعلم من مسابقة الخدمة المنزلية في السويد؟
المسابقات هي جزء من الحياة في السويد. في هذا البلد هناك مسابقات تقريبا في كل شيء وهناك جوائز ثمينة للفائزين. ومنح الجوائز الكبيرة والصغيرة كما هو معلوم على المستويين الوطني والعالمي قد يكون واحدا من الإبداعات الكثيرة للسويديين.
هناك مسابقات وجوائز لكل نشاط تقريبا في هذا البلد. والمسابقات التي تجري لفرز الفائزين تعد من النشاطات الوطنية يشبعها الإعلام تغطية، وتبدأ من المجلس البلدي في قرية أو ناحية صغيرة إلى مجلس المحافظة والمقاطعة، وأخيرا تصل إلى مستوى الدولة برمتها.
هناك مسابقات وجوائز في كل المراحل لأفضل كتاب في شتى المعارف، وأفضل رياضي، وأفضل معلم، وأفضل مدرسة، وأفضل مكتبة، وأفضل جامعة، وأفضل طباخ، وأفضل مطعم، وأفضل شرطي، وأفضل فندق ... إلى آخره من الأمور التي قلما تخلو منها شاشات التلفزة وصفحات الجرائد الورقية والرقمية.
هناك أهداف كثيرة يتوخاها أصحاب الشأن في هذا البلد من تشبثهم بإجراء المسابقات ومنح الجوائز الثمينة للفائزين. وكلما مر الزمن إزداد نطاق هذه المسابقات وزادت قيمة الجوائز التي ترافقها.
الجوائز التي يحصل عليها الفائزون لا تتمثل فقط في قيمتها المادية والنقدية رغم أهميتها، ولكن في قيمتها المعنوية. الفائز إن كان شخصا أو فريقا في قصبته أو مدينته أو محافظته أو إقليمه أو على مستوى الدولة، يكون محط الأنظار للتغطية الإعلامية الكثيفة لنشاطه ومواهبه. وأغلب الفائزين يحصلون على مناصب رفيعة في مجال عملهم أملا أن يساعدوا في رقي البلد ونهضته.
ويعزو كثير من العلماء سبب رقي هذا البلد وتربعه على قمة السلم في كثير من الاختراعات، لا سيما في مسيرة التمدن والحضارة وسن القوانين ومسيرة الديمقراطية وفي التداول السلمي والحضاري للسلطة، إلى بثه روح المنافسة والمسابقة، ومنحه الجوائز للفائزين والمبديعن وتعيينهم في حلقات مفصلية في البنية الاجتماعية والثقافية والتربوية كي ينهل من معارفهم كل من حولهم.
وإن أدرجنا النواحي التي حصل فيها هذا البلد قصب السبق في العقود الأخيرة، أي منذ نهضته الخلاقة بعد الحرب العالمية الثانية، لاحتجنا إلى سلسلة مقالات. قد يكون من المفيد أن أذكر قرائي الأعزاء أن السويد حصلت على المرتبة الأولى في لائحة منتدى الاقتصاد العالمي في مجال التكنولوجيا الرقمية، وكذلك المرتبة الأولى من حيث انتفاء الحاجة إلى العملة الورقية في المبادلات التجارية من شراء وبيع، حيث إن أغلب الناس لم تعد تحمل نقودا معها. والسويد أول بلد في العالم يصدر عملة ورقية، وأول بلد يمنح المرأة حقوقها مساواة بالرجل، وأول دولة في العالم من حيث انتشار الإنترنت والحواسيب والهواتف الذكية، وأول دولة من حيث عدد الأمهات اللواتي يعملن في وظائف دائمة، وأول دولة من حيث تسجيل براءات الاختراع مقارنة بنسبة السكان..إلخ.
ولكن ما لم يخطر ببالي هو أن تكون هناك مسابقات على مستوى البلد لاختيار أفضل المواطنين من العاملين في الخدمة المنزلية. واليوم تقريبا كل الناس هنا منكبون على مشاهدة برنامج تلفزيوني من القناة العامة ينقل مسابقة الخدمة المنزلية في كل منطقة ويتم اخيتار الفائزين وهؤلاء سيشاركون في مسابقة وطنية في هذا المضمار.
وما استرعى انتباهي وأنا أتابع هذه المسابقات هو أن كل الذين يعملون في الخدمة المنزلية في هذا البلد سويديون، وهناك إقبال هائل للمشاركة فيها.
ما شدني كانت حلقة المسابقة التي جرت هذا الأسبوع حيث اشتركت فيها امرأة سويدية لها أحفاد وعمرها 75 سنة وهي ما زالت تعمل في الخدمة المنزلية.
القائمون على هذه المسابقة هدفهم تربوي وثقافي غايته الأساسية جعل مهنة الخدمة المنزلية مهنة محببة لدى الشباب السويدي شأنها شأن أي مهنة أخرى، وكذلك تقديم دروس للمشاهد في كيفية القيام بالتنظيف وخدمة المنزل بأفضل وجه من خلال استخدام مواد غير كيميائية لتنظيف المرافق الصحية وكل ما يتعلق بأمور الخدمة المنزلية في البيت والدوائر.
الخدمة المنزلية مهنة محببة هنا ويفضلها كثير من الناس، والعاملون فيها من النساء والرجال، وكلهم سويديون يتقاضون أجورا مجزية. والخدمة المنزلية لا تعني أن كل عائلة لها خادم أو خادمة. هذا غير مقبول في المجتمع السويدي أخلاقيا أولا، وثانيا أنه أمر مكلف جدا لأن القائم بهذه الخدمة له من الحقوق والامتيازات من حيث قانون العمل ما لدى أي أستاذ جامعي.
كتبت عن هذا الموضوع عسى ولعل يستفيد منه أصحاب الشأن في دول الخليج العربية حيث صارت مسألة الخدمة المنزلية عبئا منزليا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا.