انخفاض أسعار النفط ونمو القطاع الخاص
نما القطاع الخاص نموا قويا خلال السنوات العشر الماضية، من نحو 300 مليار ريال عام 2003 إلى نحو 1035 مليار ريال العام الماضي، بمتوسط نمو بلغ نحو 20 في المائة بالأسعار الجارية، لكن هذا نصف الخبر. الجزء الثاني من الخبر أن هذا النمو اعتمد أكثره على دخلنا من صادرات النفط، الذي يظهر أثره عبر الإنفاق الحكومي. وهو إنفاق يصل إلى كل شرايين وميادين الاقتصاد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وقد نما القطاع النفطي خلال الفترة نفسها نموا بلغ متوسطه نحو 24 في المائة بالأسعار الجارية.
مع التطورات التي شهدتها سوق النفط في الأشهر الأخيرة، فإن السؤال الآن عن إمكان عدم انكماش القطاع الخاص، بل عن نموه حتى مع انخفاض دخلنا النفطي أو جموده لو تفاءلنا؟
اعتمادا على الأوضاع والسياسات الحالية، فإن من المشكوك به جدا ألا يتأثر القطاع الخاص سلبا وبقوة مع انخفاض أو جمود الدخل النفطي.
هذا الكلام يقود إلى سؤال آخر: ما المطلوب عمله لتقليل تأثر القطاع الخاص من تقلبات سوق النفط ودخلها؟ وبطريقة مباشرة: ما المطلوب عمله لتقليل تأثر القطاع الخاص من تقلبات أو خفض (متوقع) في إنفاق الحكومة؟
المطلوب كثير، وتحقيقه ليس بالصعب. الصعوبة في العزيمة لتحقيقه.
ولا شك أن أوضاع أسعار وأسواق النفط العالمية الأخيرة زادت من تأكيد أهمية الموضوع، أعني تقليل اعتماد القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي.
من المهم، وخاصة على المدى البعيد، الجد في تسيير الاقتصاد في الاتجاه الأصلح وتحفيزه وإصلاح ما يرى أنه ضار بهذا الاتجاه.
هناك مجالات تحفيز وإصلاح كثيرة، والمقام لا يسمح بالتفصيل.
أذكر منها تحفيز القطاع الخاص لزيادة استثماراته في قطاعات كالاتصالات والطيران المدني والسياحة، ومنها تسهيل نسبي في اقتراض أو حصول المنشآت الصغيرة على المال من المصارف التجارية.
ومنها تشجيع المشاركة الأجنبية في السوق المحلية، ليس لحاجة إلى أموال الغير، بل للاستفادة في تعزيز قواعد السوق على الشركات المدرجة وتعزيز الممارسات الدولية في مجال الإدارة.
وخلاف ما سبق، هناك فرصة لإصلاحات كثيرة أذكر منها سوق العمل وإجراءات الحصول على التراخيص.
رغم الإصلاحات في سوق العمل، لكنها ما زالت تعاني مشكلات كبيرة، منها زيادة السعودة الوهمية، وبقاء الغلبة في تشغيل القطاع الخاص لغير السعوديين. وقد سئل وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف إثر قمة مجموعة العشرين الأخيرة في أستراليا عن دعم المنشآت الصغيرة، فكان جوابه بما معناه أنه يرى أن الإشكال الأكبر ليس في الدعم بل في غير ذلك، وتطرق إلى قضايا التستر وسيطرة غير السعوديين على تشغيل تلك المنشآت.
أما الإصلاحات المطلوبة في الحصول على التراخيص الحكومية فحديث ذو شجون.
تفهم المعاناة في الحصول أو تجديد التراخيص أو وثائق أو نحوها من عبارة "تعرف أحد"، والتي تقال عادة ممن يضطر لمراجعة دائرة حكومية.
ليس المشكلة في وجود متطلبات للحصول أو التجديد، ولكن الإشكال في الغموض أو عدم الوضوح التام للمطلوب. كثير من المتطلبات تخضع لاجتهادات موظف أو مسؤول، والنتيجة غالبا خسارة أموال وأوقات نتيجة هذه الاجتهادات. وغالبا ما تكون المنشآت الصغيرة هي من يدفع ثمن هذه الخسارة.
نقاط أساسية للحل:
- إدراك المواطن لما له من حقوق وما عليه من واجبات بصورة واضحة لا تقبل التأويل ما أمكن ذلك.
- إدراك الموظف والمسؤول الحكومي ما له من حقوق وما عليه من واجبات بصورة واضحة لا تقبل التأويل ما أمكن ذلك.
- تفصيل الأنظمة واللوائح تفصيلا ومراجعتها وتطويرها باستمرار، استنادا إلى التطبيق، وما يعتريه من مشكلات أو نقص ونحو ذلك. ويجب أن يتاح كل ذلك للعموم بصورة واضحة.
ما سبق جزء من المطلوب لتحفيز القطاع الخاص، وتقليل اعتماده على الإنفاق الحكومي، والحديث طويل.