رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كلنا آدم .. كلنا واحد

بعد الأحداث الطائفية المؤسفة التي وقعت أخيرا في بعض أراضينا المطهرة، يجب أن يكون لنا عنوان كبير يتنادى به كل مواطن سعودي مخلص لوطنه ومليكه، والشعار الذي أعنيه شعار قرآني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن الكريم الذي يشير إلى أن كل البشر ينحدرون من آدم عليه السلام. ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "كلكم لآدم وآدم من تراب.
إذن لماذا نختلف؟ ولماذا يقف بعضنا عند الأدنى (شيخ القبيلة) ويترك الأعلى (آدم).
المسلمون في كل مكان في هذا العالم الفسيح يسلمون بأنهم كلهم لآدم وآدم من تراب، وإذا نشأت القبائل فيما بعد، فهي تنظيمات تالية لآدم عليه السلام.
ومع تكاثر الناس وتكالبهم على موارد الحياة من مياه وعشب ونبات وخلافه انتشر الناس فوق الكرة الأرضية واتسعت رقعة الخلافات بين الجنس البشرى، ثم تكاثرت القبائل وتكاثرت معها الخلافات، ومع مرور الزمن وكر الأيام ازدادت العصبية بينها، ومع زيادة العصبية للقبيلة ازداد الاحتماء بالقبيلة وبالتالي ازداد الولاء لها وأصبحت القبيلة هي الملاذ والهوية التي يتصايح بها أبناؤها.
ومع مرور الزمن وتكاثر البشر تكالب المزيد من الناس على موارد الحياة، واتسعت رقعة الحروب بين الزمر والقبائل حتى أصبحت الحروب تستغرق كل حياة الناس، وتسمى بحروب الـ 100 عام والـ 40 عاماً، وغير ذلك من حصاد السنين.
وحينما أراد الله سبحانه وتعالى خيراً بالبشرية أرسل إليهم الرسل ثم ختم بمحمد بن عبدالله الهادي البشير رسوله الأمين- صلى الله عليه وسلم- وهكذا جاء محمد- صلى الله عليه وسلم- بالإسلام رحمة للعالمين. ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه القرآن المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والقرآن الكريم حافل بالسنن والقوانين التي تستهدف نشر المساواة والعدل والسلام والمؤاخاة بين الناس جميعا. وقال الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى جعل "التقوى" هي التي تميز الإنسان عن أخيه الإنسان وليس الجنس أو العرق أو القبيلة.
ودون أن نضع رؤوسنا في الرمال كالنعامة، فقد حان الوقت كي نصارح أنفسنا ونعترف بأن موجات من الدعوات إلى القبلية تجتاح مجتمعنا في هذه الأيام، وتريد ــ بغير وجه حق ــ أن تعيد ولاءنا للقبيلة بعد أن رحمنا الله سبحانه وتعالى ومتعنا بنعمة السلام والولاء للإسلام.
والمؤسف أن القبيلة باتت تتمدد في شرايين المجتمع السعودي وتلعب بمصالحه الوطنية العليا وتأخذ مكانة متقدمة من سلوكه اليومي، فبعد أن نشطت في الزواج من الأقارب اتسعت في الوظائف والأرزاق، وإذا أردنا أن نستكشف القبيلة في الوظائف والأرزاق فإن من السهولة بمكان أن نجد بعض من تقلدوا الوظائف العليا يعينون الفخوذ والأقارب والأصدقاء في الوظائف التي تقع في دوائر سلطاتهم. وتوظيف الأقارب والفخوذ والأصدقاء والأرحام ممنوع في الفكر الإداري المعاصر وينعتونه بـ "النوبوتزمية"، وللأسف فاحت رائحة النوبوتزمية في الشركات والمؤسسات الحكومية في هذه الأيام، وانتشر الحقد والتربص في أكثر من مستوى وظيفي، وتسبب هذا التواطؤ العنصرى في انخفاض ملحوظ في إنتاجية الموظف السعودى مقارنة بنظيره في المجتمعات المتقدمة أو الناشئة.
ومن المثير للجدل أن الكثير من أبناء الشعب السعودي يقرنون أسماءهم بالقبيلة حتى تجاوز من يتسمون بالقبيلة الملايين من المواطنين، وأصبح الاسم علامة تلعب دورا في الوظيفة والمجاملة أو في الرفض، أي أصبح الاسم مفتاح التعامل في كثير من المعاملات والمجاملات.
ولعله من باب أخذ العظة من دول الجيران فإن القبيلة في بلد مثل العراق باتت تلعب دورا رئيسا في تشكيل الحياة السياسية، ولأن القبيلة خطر سياسي فادح فإن العراق يعيش أزمة سياسية قد تطيح بكل شيء وتقسم هذه الدولة المكلومة إلى ثلاثة أشلاء، وربما إلى عشرات الأشلاء تستغرقها الحروب ما دامت القبيلة تتحرك وتحرك التشكيلات السياسية في المجتمع.
ولقد أحسنت حكومتنا الرشيدة صنعاً حينما أصدرت توجيهاً بالحد من وضع هذه الأسماء حتى تخفف من غلواء التعصب القبلي، ولكن ما تحتاج إليه الدوائر الحكومية الآن هو إصدار تشريع قاطع بالالتزام بعدم وضع اسم القبيلة بدلاً من اسم الأسرة.
ومن جانبها فإن وزارة الثقافة والإعلام في أمس الحاجة إلى مراقبة ومتابعة عشرات المحطات الفضائية وآلاف المواقع التي تعتنق القبيلة وباتت تزكي النعرة العرقية بشكل مزر يتعارض مع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف ويتعارض مع النموذج الوحدوي السعودي الرائع الذي ننعم باستقراره ونضوجه الوارف.
والغريب إنهم يتجنون على نبي الرحمة محمد- صلى الله عليه وسلم-ويقولون إن الرسول كان يفاخر بعرقه العربي الأصيل، وإذا كان صحيحاً أن الرسول كان يفاخر بعرقه العربي الأصيل إلا أنه كان يقدم الدين على العرق، ويفتخر بالعرق من خلال الدين، أي يفتخر بالعربية لأنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ولا يفتخر بالعربية لأنها عرق.
إن تقدمنا بين المجتمعات لا يتوقف على تمسكنا بالقبيلة، بل يتوقف على تمسكنا بالتقوى والكفاءة وزيادة الإنتاجية والمشاركة الفعالة في بناء صروح الحضارة الإنسانية.
وقبل يومين قابلني أحد أصدقاء الطفولة الذي غاب في جوف الحياة ولم أره منذ سنوات فعانقتنا الذكريات وَفَتحْتُ الحديث معه على مصراعيه حتى بلغنا مخاطر التعصب للقبيلة قبل الوطن، وقص صديقي لي حكاية قال فيها إنه في مجلس ضم شباباً يتفاخرون بالقبائل، فقلت لهم إنني حضري ولكنني من أعرق وأفضل القبائل في الوجود، فاستغرب الجميع وتدلت أعناقهم نحوي راغبين أن أصرح باسم قبيلتي الأعرق، ولكني نظرت إليهم نظرة حادة متحدية، ثم كررت كلامي بنبرة حادة وجادة وقلت إنني أنحدر من أنقى وأطهر قبيلة على الأرض، فاتجهت الرؤوس نحوي مرة أخرى وهي تشتاق إلى سماع هذه القبيلة الأطهر والأنقى، وتساءل الجميع من هذه القبيلة؟
قلت إنها قبيلة كل القبائل، وامتشقت الرؤوس نحوي تتحداني أن أذكر اسم (قبيلتي) قبيلة كل القبائل، فقلت: إنني أنتمي إلى قبيلة آدم، ثم قلت بسرعة قبل أن أستمع إلى ما لا يسر من الكلمات واللكمات، إن كل إنسان في المملكة وكل إنسان فوق كوكب الأرض ينحدر من القبيلة الأم قبيلة آدم، وآدم هو رئيس كل القبائل، وما دمنا كذلك فكلنا لآدم وآدم من تراب، إن أكرمنا عند الله أتقانا، وصمت الجميع، وبايع الجميع كلامي وأرجو أن تكون المبايعة من القلب وعن قناعة كاملة ولا تشوبها شائبة شك أو ريبة.
وأخيرا أقول، إذا اعتمدنا على التقوى والكفاءة وزيادة الإنتاجية، فإننا سوف نلحق بركب التقدم ونرتفع بمستوى معيشة أمتنا الإسلامية الشامخة التي تحتاج إلى مزيد من الوعي لتحسين أحوالها أكثر من حاجتها إلى النفخ في الأوداج وممارسة أحط أنواع التمييز العنصري، وتعيير القبائل الأخرى بالضعة والدونية بعد أن كرمها الله سبحانه وتعالى بالإسلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي