رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«موبايلي» .. مشكلة معيار الإيرادات السعودي

في مقال سابق تحدثت عن مشكلة "موبايلي" وأخطاء إثبات الإيرادات، لكن (لغير المحاسبين هنا) ما المقصود بإثبات الإيرادات؟ وما المشكلة في ذلك؟ وكيف نفهم قضية "موبايلي" من خلالها؟ وأيضا (وهذه للمحاسبين على وجه الخصوص) هل هناك خطر من تكرار هذه المشكلة في شركة أخرى بالسوق المالية؟ إثبات الإيرادات يعني أمرين معا: معرفة وتحديد قيمتها بالضبط وما هو ما نسميه القياس في المحاسبة؟ ثم متى نقوم بتسجيلها في الدفاتر المحاسبية وعرضها والإفصاح عنها في القوائم المالية؟ في الغالب لا نخطئ في قياسها، لكن نخطئ في وقت تسجيلها وعرضها وهو ما تحدثت عنه "موبايلي" بأنه الخطأ في توقيت إثبات الإيرادات. وكأن "موبايلي" تريد أن تقول لنا بأنها لم تخطئ في احتساب "أي قياس" قيمة الإيرادات التي تحصلت عليها لكنها أخطأت في وقت تسجيلها.
سأوضح الأمر ببساطة لنفرض أنك بعت مليوني قطعة من سلعة ما، قيمة كل قطعة ريالان؛ أي أن قيمة إيراداتك ستبلغ 4 ملايين ريال، هذا هو القياس ويبدو الأمر سهلا، لكن لنذهب ونقرأ العقود سنجد مثلا بأنك بعت 100 ألف قطعة دون وجود أي حق للمشتري بردها، والباقي يمكن رده قبل مضي شهر من تاريخ البيع. هنا تظهر مشكلة التوقيت بجلاء، ذلك أنك تستطيع تسجيل قيمة 100 ألف قطعة فورا كإيرادات؛ لأنها لن ترد، لكن لن تستطيع إثبات القطع الباقية كإيرادات – بالرغم من أنك تسلّمت قيمتها- لأنه لم يزل هناك شك جوهري في تراجع المشتري عن العملية كليا (ولا يوجد تقدير معقول لكمية ما سيتم إعادته). إذا كانت مشكلتك بهذه البساطة مع الإيرادات فإن المعيار السعودي الذي صدر عام 2000 أي قبل نحو 14 عاما وقبل كل الأزمات المالية التي ضربت العالم، فإنه سيكون كافيا، ولكن إذا كانت الأمور لديك أعقد من هذا فإن هذا المعيار سيكون مضللا ولا شك. فالمعيار السعودي صدر بجهود ذاتية ومشكورة للهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين في حينه، ولكن لم تكن مشكلاتنا مع إثبات الإيرادات بهذا التعقيد ولم تكن كذلك حتى على مستوى العالم، كما لم تتطور لدينا السوق المالية ومخاطرها بهذا المستوى الذي نشهده اليوم.
في "موبايلي" كانت هناك سلسلة من العقود، تتضمن سلسلة من الخدمات كل خدمة تسلم في وقت مختلف عن وقت العقد الذي تم تحصيل الثمن فيه، ولكن من بين أهم المشكلات التي ظهرت على السطح حاليا مشكلة ولاء العملاء، فهل هي إيراد أم التزام؟ قلنا إن "موبايلي" طورت عقودا مختلفة في موضوع ولاء العملاء، لكن لنأخذ موضوع ولاء العملاء بصورته الذهنية العادية وهي منح العميل نقاطا عند كل تسديد للفاتورة المستحقة عليه قبل وقت مخصص، ثم يمكنه أن يقوم باستبدالها بأي طريقة يشاء، هل هناك معالجة مثل هذه الحالات في المعايير السعودية؟ بالطبع لا. وهل هناك معالجة لها في المعايير الدولية؟ الإجابة نعم. لماذا لم تقم "موبايلي" باستخدام المعايير الدولية في معالجة هذه العمليات؟ الجواب لأن هناك معيارا سعوديا ولو لم يكن كافيا.
مجلس المعايير الدولية انتبه لتطور مشكلة برامج ولاء العملاء منذ عام 2007 وأصدر التفسير- IFRIC 13 - Customer Loyalty Programmes- فبرامج ولاء للعملاء انتشرت في كل مجال تقريبا، في شركات الاتصالات على شكل نقاط، وفي خطوط الطيران على شكل أميال وفي شركات البيع بالتجزئة على شكل بطاقات، المعيار الدولي يجبر الشركات التي تمارس مثل هذا النوع من البرامج أن تقوم بتأجيل إثبات جزء من الإيرادات بمقدار قيمة هذه النقاط ذلك أنه يعد أنها جزء من البيع، فالشركة قامت على الحقيقة ببيع سلعة ونقاط. فمثلا إذا دفع العميل فاتورة بمبلغ 100 ريال ولديه نقاط بقيمة 2 ريال فإنه معنى ذلك فعلا أن الشركة باعت له خدمات بقيمة 98 ريالا ونقطتين بقيمة ريالين. وعليه يجب أن تقوم الشركة بإثبات 98 ريالا كإيرادات وريالين كإيرادات مؤجلة حتى يقوم العميل باستبدالها.
لم يكن المعيار السعودي قادرا على منح تفاصيل إثبات الإيرادات لمثل هذه العقود المركبة التي تتضمن شروط مختلفة، ولم يكن في المعيار ما يساعد حتى في قياس عمليات مثل بيع ولاء العملاء. لم يكن المعيار السعودي قادرا على مد المحاسبين في "موبايلي" بطريقة واضحة لمعالجتها، ولهذا قلت، إن المعيار السعودي قدم غطاء كافيا لتبرير الأخطاء التي تعرضت لها "موبايلي".
ومع ذلك فإن كثيرا ما يقال بأن المعايير السعودية بنيت على أساس أن ما لم يتم تغطيته في المعايير السعودية يمكن الرجوع إليه في المعايير الدولية، لكن بالرغم من وضوح كلمات هذه العبارة إلا أن تطبيقها غاية في الغموض. فهل مجرد وجود معيار سعودي للإيرادات يمنع الشركات من التحول للمعيار الدولي؟ الحقيقة أنه لا يمكن لأحد أن يتصور غير ذلك، ممنوع التحول للمعيار الدولي طالما هناك معيار سعودي حتى ولو كان هذا المعيار غير كافٍ. ذلك أننا لو قبلنا فكرة جواز التحول عن المعيار السعودي بمحض إرادة الشركة فهذا يعني أن وجود المعيار السعودي كعدمه، وهذا يهدم منظومة المعايير السعودية كلها. ولست أبرئ إدارة "موبايلي" ولا المراجع القانوني بقدر ما أقول، إن المعيار السعودي لم يكن بريئا أيضا ولم يكن قادرا على خدمة مثل هذه القضية المعقدة.
نعم كان يجب التوقف عن مسار إصدار معايير سعودية منذ أنشئت السوق المالية، لكن ذلك لم يحدث. كان يجب إعادة هيكلة هيئة المحاسبين قبل حدوث مثل هذه الكارثة لكن ذلك لم يحدث. والسؤال الأكثر أهمية اليوم وأبلغ خطورة، هل يجب تعليق العمل بالمعيار السعودي الآن، ودراسة أي معايير أخرى ذات أثر مماثل وتعليق العمل بها؟ فلا تزال السوق تزخر بالكثير من الشركات التي تمارس برنامج ولاء العملاء بشكل واسع جدا ولم تزل لعنة الإيرادات هي مفصل المشكلات، فقضية بيشة كانت مشكلة إثبات إيرادات، والمعجل، ولا أشك أن هناك شركات غارقة إلى أذنيها، فلا تزال شركات التأمين تعمل وفق عقود مركبة، ولم تزل موبايلي تعمل وفقا لعقود مركبة مع ملايين العملاء ومثلها الاتصالات وزين وعذيب، وشركات غير مدرجة تريد أن تصل لمرحلة الإدراج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي