رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تحليل فوكوياما عن الحكومة الكفؤة وغير الكفؤة

في مقال نشر الشهر الماضي، يناقش فرانسس فوكوياما تسلسل الدور السياسي، وتطور جهاز الحكومة الفاعلة والعلاقة بينهما في ظل تجربة الدول المتقدمة (تعرف أن لديها مستوى معينا من دخل الفرد لتمكين الجهاز البيروقراطي من التعايش مع متطلبات القرن الواحد والعشرين بكفاءة). نظرا لأهمية طرح هذا المفكر من ناحية، وفي ظل أزمة دول منطقتنا وما تعانيه في ظل التحديات الراهنة، رأيت استعراض هذه الأفكار، وتلمس ما قد يكون مفيدا لفهم المرحلة وبعض التطبيقات العملية لإحداث إصلاح حقيقي بعيدا عن المزايدات البراقة أو السلبية. فهو يحلل تجربة إنسانية تجريبيا بعيدا عن أي إسقاط ثقافي أو جغرافي، مصدر الاختلافات يعود إلى ظروف موضوعية وتاريخية ودور النخب والحكام في إرساء منظومة السياسات القريبة والبعيدة الأجل.
النقطة الرئيسة في التحليل أن جودة الحوكمة في الجهاز البيروقراطي ودورها في إدارة الدولة أحيانا يسبقان وأخرى يتبعان سلم التطور الديمقراطي، ولكنه في الأخير محدد رئيس لنجاح الدول من عدمه. يبدأ التطور الإنساني مجتمعيا بما يذكر العالم الألماني وبر بأن البداية بالدولة الأبوية التي تدار من الحاكم وعائلته وأصدقائه وأعضاء النخب السائدة في حينه. في هذه الدول هناك دور محدود لمن هو خارج هذه الدائرة. هناك جهود محدودة لمعاملة العامة بطريقة غير شخصية أو متوازنة، ليست الجدارة هي المحدد للمنصب في هذا الجهاز، بل المحسوبية. تدريجيا يكون هناك تطور في الجهاز الحكومي بحسب درجة تعقيدات ومتطلبات الحقبة، ولكنه أحيانا كثيرة يفشل. يحدد أفق التجربة التي تمد من بداية القرن التاسع عشر إلى الآن بكفاءة اليابان وألمانيا من جهة، ورداءة تجربة اليونان وإيطاليا من جهة أخرى، والحالة الوسطية لتجربة بريطانيا وأمريكا إلى أن وصل هذين البلدين إلى مستوى الكفاءة والتقدم بعد اليابان وألمانيا. بينما هناك تجارب جديدة مثل سنغافورة التي بدأت من الصفر، حيث حققت نجاحات سريعة، بينما الصين ودبي تحققان نجاحات من المبكر الحكم على نجاحها العميق من حيث تفاعلها مع سلم التطور السياسي والقدرة على التطور العضوي.
في ظروف معينة تكون تجربة الدولة الأبوية مستقرة، حيث إنها تراهن على أبسط نماذج العلاقات البيولوجية بين الناس، حيث الثقة أعلى بين الأقارب؛ إذ يسود تبادل المنافع. فالنخب تبني سلطة من خلال إدارة المنافع بأسلوب المحسوبية وبطريقة فردية، حيث يبقى الفرد يدين بالولاء للسلطة دون أهمية للجهاز الإداري وآلية فرزه. تعتمد هذه السلسلة السلطوية غالبا على تبادل المنافع، ولكنها تعزز بالأعراف والدين لشرعنة نمط معين من الحكم.
لكي ينتقل الولاء من العائلة والمنطقة والقبيلة إلى الدولة من الضروري توسيع دائرة الثقة وزيادة رأس المال الاجتماعي، فمثلا مستوى الثقة عال في بريطانيا وأمريكا مقارنة باليونان وإيطاليا، بينما رأس المال الاجتماعي أعلى بوجود مؤسسات دينية غير هرمية وأقرب إلى الناس، فالقانون العام في بريطانيا وقوة الدستور في أمريكا يختلفان نوعيا عن المؤسسات المرادفة في اليونان وإيطاليا. كذلك لم تتجسد الهوية القومية في اليونان وإيطاليا، فدور الدول الأجنبية دائما كان حاسما في اليونان وجنوب إيطاليا مما أعاق تطور هوية وطنية. فعدم وجود جهاز حكومي نافذ وقوي وعادل ضيق دائرية الثقة بين الناس، وساهم في ضعف تماسك الدولة. لا تزال الدول الأجنبية ممثلة في منظمة الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي تملي سياسات مستحقة على نخب اليونان المقصرة. ولا تزال إيطاليا تحاول تحديث سوق العمل وأنظمة شفافية الأسواق والجريمة المنظمة.
لعل السؤال الرئيس هو: ما أسباب هذه الاختلافات؟ وما مصادر هذه الاختلافات؟ وهذا هو موضوع العمود القادم، وبعدها نحاول الاستفادة من هذا الطرح الفكري وعلاقته بالمرحلة التاريخية لدينا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي