حينها .. ماذا ستقول «سبق»؟

"إذا أردت أن تسير قدما.. فتخفَّف".
قرأت أمس في صحيفة "سبق الإلكترونية" موضوعا مهما علق عليه عشرات القراء، وكل الردود تقريبا تؤيد ما جاء في الموضوع، بل تضيف من عندها انتقادات سلبية خاصة وعامة.
"سبق" قد تكون الأكثر شهرة وسرعة انتشار ومقروئية وتفاعلا من قرائها من باقي الصحف بنوعيها. ولما تكتب "سبق" ينتشر الخبر، ولما ينتشر الخبر، تكون له تداعيات واسعة حسب إيجابية الحالة أو سلبيتها.
الموضوع كان عن القطار الذي يربط الرياض بالدمام والعكس. مرت على إنشاء السكك الحديدية من قبل شركة أرامكو في البدء قرابة خمسة عقود، والتقرير لم تُغلف كلماته بأي غلاف حريري، بل تكلم بمباشرة قوية عن وضع الجهاز، وتكلم عن فساده، وسوء إدارته، وضعف الحماسة للعمل بين موظفيه، وتواضع خدماته.. وأشياء كثيرة، لا أؤكدها هنا، فلا علم لي، ولم أسمع رأي الجهة المتهمة وهي سكة الحديد.
على أن موضوعي ليس سكة الحديد، ولا الفساد، ولا سوء الإدارة، فهذا سيأخذنا مرة ثانية لتراشق الاتهامات، ونشر الصورة الحالكة، والانغماس في السلبية المتشائمة.. موضوعي هنا هو.. كفى!
لا أظن أن أحدا يقول إن الحالة الإدارية الرسمية، خصوصا الإدارات الخدمية التي تمس الناس يوميا في خدماتهم وحياتهم على ما يرام.. بل هي كتل من التخلقات الشحمية، وكل مرة تضيف شحوما أخرى، والطب يحذر من تراكم الشحوم فتضيق الأوردة والشرايين، ويتهالك الدم ليمر فيها ويقوم بكامل خدماته للجسد ليكون متعافيا بما يوفر له من الطاقة وتمكين عمل الأعضاء. دعوني أروي لكم قصة واقعية رواها الدكتور "فايز بدر"، يرحمه الله، أول رئيس للمؤسسة العامة للموانئ.
وسط السبيعينيات كانت أمام الدولة معضلة كبرى، تدفق المال بما سمي فيما بعد بالطفرة، ووصلت الذروة في عهد الملك خالد بن عبد العزيز، يرحمه الله، ولكن كانت هناك معضلة عنق زجاجة لتمر المشاريع التنموية الكبرى التي بدأت منذ ذلك الوقت وبمشهد عملاق تحدث عنه العالم. تلك العنق الضيقة جدا هي الموانئ، التي كانت فقيرة الاستعداد لمثل هذا الوارد المتعاظم من الخارج، لينقل إلى كل مكان في الداخل. وكانت السفن تنتظر شهورا أحيانا، وعمليات التفريغ بطيئة بالصنادل المسطحة والكرينات العائمة وشبه بدائية وخصوصا أن ثورة السفن ناقلة الحاويات عمت الدنيا في النقل البحري. وبدا أن المشكلة صعبة ومعقدة، بل قيل مستحيلة.. كانت الموانئ العقبة الكبرى أمام كل طموحات التنمية.
تم اختيار الدكتور فايز من قبل ولي العهد آنذاك الملك فهد ليتسلم الإشراف على الموانئ، إلا أن الرجل صاحب القلب الحديدي قال لولي العهد:"ألبّي طلبكم متشرفا، ولكن بشرط أن تكون الموانئ مؤسسة مستقلة لا يرأسني وزير، وترأسوني مباشرة". وفي خلال سنوات قليلة كان لفايز بدر بمرونة متاحة، وميزانية مستقلة، أن يقدم للأمة أقوى بُناها الخدمية وعناصر وفرتها، موانئ من أحدث وأوسع الموانئ.. وانفكت المشكلة.
والغرابة أنه بعد التجربة الناحجة، فإن رئيس المؤسسة العامة للموانئ الحالي، لم تعط له صلاحيات ومرونة أول رئيس للمؤسسة، وحدث العكس! بدل أن تعزز استقلالية الموانئ ضُمت لوزارة النقل فأُثقلت الوزارة، ولا بد أن هذا الثقل - قطعا- أثر في رشاقة المؤسسة، وهنا ستنبت السلبيات لأن الوزير أصبح أكثر صداعا لثقل وزارته، وضعفت قوة استقلال القرار في المؤسسة.
الذي أنادي به الرجوع في وزارات الدولة الخدمية للمثال العملي المستقل للموانئ، تلك الآلية التي فعلا وواقعا أنقذت ورشة التنمية العملاقة. يمكن البدء أولا بوزارة النقل، فتعود السكة الحديد والموانئ لرشاقة وخفة الغزلان، هنا سيغيب كثير من السلبية تحت غطاء رقابي وأدائي يسهل تنفيذه. وكذلك في وزارة الصحة التي تضخمت بشكل لا أصدق أن مسؤولا واحدا يمكنه إدارتها لوحده مهما بلغ عدد وكلائه، وهنا الرشاقة والاستقلالية أمر حيوي لتنتعش خدمات الصحة والمرضى.
بقاء شركة الكهرباء مثلا باستقلال نوعي مقبول جعلها أكثر عصرنة وأداء ورقابة واستيعابا لآخر التقنيات الجديدة في صناعتها. وحتى الشركة وبنظرة إدارية جيدة قسمت قطاعاتها الكبرى.
وأعتقد أن "سبق" حينها ستكتب وتهلل لاستراتيجية كبرى، اسمها "الرشاقة الخدمية".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي