رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مقارنة بين المنشآت الثقافية والمنشآت الرياضية

يجدر ونحن نستعرض أسباب التخلف الذي تعانيه الثقافة في بلادنا أن نتعرض للنشاط الرياضي من باب المقارنة، فالذي تعانيه الثقافة اليوم هو ما كانت تعانيه الرياضة بالأمس، فقد باشر رجال الحسبة بإعلان الحرب على الرياضة منذ التباشير الأولى لقيام الأندية.
لقد كان رجال الحسبة يجرمون ويحرمون ممارسة الرياضة ويعدونها رجسا من عمل الشيطان، وكانوا يقومون بخطف الكرة من الملاعب ويصادرونها بحجة التعدي على مواعيد صلاة المغرب!
إن الثقافة في المملكة ما زالت تواجه مزيدا من الظلم والعنت، فبينما دول العالم تحتفي بالثقافة وتعتبرها قوة ناعمة تستحق التقدير والاحترام، فإننا في المملكة نتربص بالثقافة ونتعقب أنشطتها ونتفنن في وصفها بأنها خارجة عن سواء السبيل.
نعم، كثيرون يحرمون المسرح، ويجرمون السينما، ويحظرون بناء المتاحف ودور المسرح ودور السينما وأكاديميات الفن وقصور الثقافة وبيوت التراث.
ولكم أن تتصوروا أن السعودية بحجمها الكبير في المجتمع الدولي لا توجد فيها منشآت ثقافية، بينما تحتل المنشآت السياسية والرياضية والتعليمية والصحية والاجتماعية ــ بحمد الله ــ كل أرجاء مملكتنا الفتية.
إن ما يمثل المؤسسات الثقافية في بلادنا الآن هي الأندية الأدبية وجمعية الفنون وجمعية الطوابع، والمفروض أن تكون هناك صروح للثقافة وبيوت ومنابر ومتاحف ومكتبات ومؤسسات ُتعنى بكل فنون الحياة ابتداء من الفن التشكيلي وحتى السينما والمسرح وبناء المتاحف الوطنية الكبرى، وتجليل الآثار لا استنكارها أو استهبالها، وكذلك بناء الأكاديميات والمعاهد العليا لتخريج كوادر الفنون وكوادر السينما والمسرح والآثار.
نحن نحتاج إلى الانفتاح على المنظمات الثقافية الدولية، وحينما ضمت "يونسكو" مرابض الدرعية التاريخية إلى قائمة التراث العالمي، وحينما اعترفت "يونسكو" بجدة التاريخية وضمتها إلى قائمة التراث العالمي كانت هاتان الخطوتان موفقتين على طريق التفاعل مع منظمات الثقافة العالمية، وهكذا نحن في حاجة إلى الاقتراب أكثر وأكثر من منظمات المسرح العالمي والموسيقى العالمية والسينما العالمية والمتاحف العالمية ...
إذا كنا نسلم بأن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل.
والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مؤسسات ثقافية يمكن أن نعدها مساهمة في التنمية.
ونؤكد أن موقفنا المناهض للثقافة والتراث أحدث فراغا في عقول الشباب وجعلهم يستقبلون ويمارسون ثقافة الكراهية والعنصرية والإرهاب.
في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة، ليس لدينا منشآت نشير إليها بالبنان، ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن السعودية إلا ما ندر، ليس لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية رغم أننا البلد الذي شع منه نور الإسلام الحنيف، وفيه كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا ــ مع الأسف الشديد ــ كثيرا منها.
حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن نعلن عن مشروع للثقافة يحمل شعار مشروع خادم الحرمين الشريفين للثقافة الوطنية، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها، أما أن نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجلل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه.
إذن لا تثريب على وزارة الثقافة والإعلام وهيئة السياحة والآثار أن تباشرا من الآن في بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض التي اعترفت "يونسكو" بآثارها الحضارية المبهرة، وفي جدة، وفي الأحساء وفي خيبر وفي العلا آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت كثيرا من الحضارات العربية القديمة الغابرة.
إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن لا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.
وإذا كنا نصف المملكة جنبا إلى جنب مع الدول العظمى، فإنه يجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيداً أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد، وهنا أتساءل: إلى متى نبقى بدون منارات ثقافية، وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية، وإلى متى نقبل بأن نظل أسيري الأفكار المحنطة التي ترمى الثقافة بمخالفتها للتقاليد والشرائع!
إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى سوف يغير من قناعات من كان يستنكر كثيرا من أنشطة الثقافة، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والأندية الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي.
إننا نحتاج إلى تعريف الناس بأهمية الثقافة ودورها في بناء الأمة وتنوير الشباب (ولا ننسى أننا في عصر الشباب!)، حتى يقتنع من يستنكر الثقافة بأهمية الثقافة ودورها في التوعية والتنوير وبناء الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي