بين أستاذ سويدي وأساتذة سعوديين
المؤتمرات العلمية فرصة ذهبية للأساتذة الجامعيين للتعرف على آخر المستجدات في حقول المعرفة التي يختصون بها، وكذلك لقاء العلماء والأساتذة الكبار الذين على كواهلهم تبنى المعرفة هذه، ومن خلال أبحاثهم تنمو وتتطور.
وحضور المؤتمرات العلمية مكلف وخارج نطاق الإمكانات المادية للأستاذ الجامعي. عادة تتحمل الدولة أو الجامعة تكاليف حضور المؤتمرات هذه. بعض الأساتذة الكبار في الغرب لهم ميزانيات خاصة داخل جامعاتهم مواردها تأتي من التبرعات والمساهمات التي يقدمها أغنياء القوم.
في حالتي – وأذكر هذا فقط كدرس للدول العربية لا سيما الخليجية منها – هناك أيضا ميزانية خاصة ساهمت فيها بسخاء العائلات السويدية الغنية من خلال مؤسساتها الخيرية وهي قد تقترب من مليوني دولار تكفي لتغطية كل نفقاتي من مرتب وسفر وبحث ومؤتمرات ونشر وإدارة مركز أبحاث بموظفيه ومجلة علمية عالمية النطاق وغيره إلى اليوم الذي أحال على المعاش.
هذا لا يعني أنني حر في التصرف في الميزانية. كلا. هناك أسس وقواعد علي اتباعها وعلي الكشف بالتفصيل عن كل فلس أنفقه، والكشف هذا يذهب إلى محاسبين قانونيين للتأكد من أن الصرف كان في المكان الصحيح وحسب التعليمات.
وفي المؤتمر الذي التقيت فيه بعض الأساتذة السعوديين جرى حديث مطول بيننا عن شؤون كثيرة ومتشبعة. لم أكن أعلم بوجودهم أساسا غير أنني انجذبت إليهم عند سماعي لهم وهم يتحدثون العربية.
شيء جميل وحسن أن تعمل المملكة ومؤسساتها العلمية كل ما في وسعها على إدامة التواصل مع العالم الخارجي لا سيما المتمدن منه. في جامعتنا هناك شرط أن يمضي كل الطلبة ما لا يقل عن ستة أشهر في جامعة في بلد آخر غير السويد، ومنهم من يمضي سنة أو أكثر.
أما الأساتذة فلهم الحق في المشاركة في المؤتمرات، لا بل تحثهم الجامعة على ذلك وتتكفل بكل النفقات. هذا الموقف ليس منّة أبدا لأن الجامعة في نهاية المطاف هي التي تقطف ثمارا وفيرة ليس فقط من ناحية زيادة العلم والمعرفة وتوسيع الأفق، ولكن لأن الدولة تمنح الجامعة نحو مائة ألف دولار عن كل بحث يساهم فيه الأساتذة الجامعيون في مؤتمرات علمية.
والأساتذة الجامعيون بشر، وعندما يلتقون يعرجون أيضا على أمور اجتماعية ووظيفية وسياسية ودينية واقتصادية، إضافة إلى تبادل المعلومات حول الأبحاث والكتب التي ينشرونها.
ظهر لي من خلال الحديث أن الأستاذ الجامعي في المملكة منكب على التدريس، وأن الجامعة التي ينتمي إليها لا تضع في عين الاعتبار مسألة البحث العلمي، أي لا تمنح الأستاذ الجامعي نسبة من النصاب المخصص له لغرض البحث العلمي. في السويد على الأستاذ الجامعي العمل 40 ساعة في الأسبوع.
الذين يحملون لقب الأستاذ في الجامعات السويدية يمضون في أقل تقدير 50 في المائة من وقت عملهم في البحث العلمي – أي 20 ساعة في الأسبوع والباقي يمضونه في الإشراف على الأطروحات والتدريس.
الجامعات في البلدان العربية، لا سيما الخليجية منها، كما طرق سمعي من الأساتذة السعوديين الذين التقيتهم وتأكدت من ذلك من مصادر أخرى، مهمتهم الأساسية هي التدريس أي على الأستاذ الجامعي أن يمضي كامل نصابه في التدريس في الصف أو الإشراف.
أنا أمضي 20 في المائة من نصابي في التدريس، أي أمضي في الصف نحو الساعة ونصف الساعة في كل أسبوع لأن ساعة المحاضرة الواحدة تساوي أكثر من أربع ساعات من النصاب الذي هو 40 ساعة في الأسبوع، والباقي مخصص للبحث والكتابة.
البحث العلمي لا يجوز أن يترك للأستاذ الجامعي – أي وكأنه مسألة شخصية. يجب أن يكون ضمن النصاب. لا أعلم كيف استطاع الأساتذة السعوديون الذين التقيتهم القيام بأبحاثهم القيمة حيث قبلت للنقاش في مؤتمر علمي دولي بارز، وجامعاتهم تفرض عليهم أن يمضوا النصاب الكامل في التدريس؟