«نزاهة» قاتلة لخلايا المخ
لا أرى صوابا في النقد المتنامي الذي تتعرض له هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، ولا أميل لمن يرى أنها تغرد خارج سرب هيئات مكافحة الفساد في العالم، وغير صحيح أنها في واد وما أنشئت من أجله في واد آخر – كما يعتقد البعض.
لا بد من تصويب كل نقد يعترض عمل "نزاهة"، فغير مقبول أن يكون لدينا إيمان تام بأن ما تقوم به من عمل يصنف من الأعمال "المُبهرة" – حتى لو كان غير قابل للاستيعاب - وهناك من ينتقد ونحن نقف موقف المتفرج وكأننا شياطين خرس تصمت عن قول الحق.
أولا يجب أن نعترف أن عدم فهم واستيعاب بعض القرارات الصادرة من "نزاهة" لا يعيبها؛ بل العيب في تدني مستوى الإدراك لدينا، فعندما يكون ثمة بون شاسع بين مستوى إدراك العقل البشري وإدراك المسؤولين في "نزاهة"، فلا يجوز جلد القرارات؛ بل يجب جلد عقولنا غير المدركة.
ما تقوم به "نزاهة" مبني على خطط علمية مدروسة؛ أحيانا يستوعبها العقل البشري وأحيانا لا يمكن له استيعابها، فعندما تتوعد "نزاهة" المواطن البسيط "الضعيف" وتلجمه وتجلده جلدا مبرحا فلا غاية لها من ذلك إلا تحذير المسؤول الكبير "القوي"، وتوجيه رسالة شديدة اللهجة تقول له "الدور عليك إن لم ترتدع"، وبالتالي يبادر المسؤول الكبير بالتوقف عن "الفساد".
وقد استوحت "نزاهة" تلك العملية من الحكمة القائلة "اضرب الضعيف يخشاك القوي"، ومن هنا نكون قد بادرنا بالقضاء على فساد المسؤول دون هز صورته أمام موظفيه والشعب من خلال ضرب المواطن "الغلبان".
مثلا عندما أصدرت "نزاهة" بحزم قرارا اعتبرت فيه "ثرثرة" الموظف أثناء الدوام الرسمي فسادا إداريا، وتوعدته بأشد العقوبات، فهي تريد أن توجه رسالة
لـ "المسؤول" تؤكد فيها أنها اليوم ضربت "المثرثر" بالكلام، وغدا ستضرب "المثرثر" بالأموال، ومن هنا ستتوقف كل عمليات الثرثرة، سواء اللفظية منها أو المالية.
كل قرارات الهيئة يمكن أن تجد لها تفسيرا وأن "تُسلك" لها، إلا قرارا واحدا لم ولن نجد له تفسيرا ولو استعنا بعقول الكائنات الفضائية، ألا وهو "قرار التشهير بالفاسدين دون الإفصاح عن أسمائهم"، فهذا القرار غير قابل للبحث والتقصي، فبمجرد التفكير فيه فأنت هنا ستجني على خلايا مخك وستقتلها جميعا، وستعلن بعدها أن "جمجمتك" أصبحت أرضا منكوبة لا حياة فيها.