رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المشاريع الحضارية

من حق أي وطن أن يكون له مشروع حضاري يسعى لبنائه، وتطويره بهدف الاستفادة منه داخليا، وبعد نجاحه في الداخل تتم عملية التوسع فيه، ونشره في الأوساط المحيطة، أو البعيدة، خاصة إذا ما رغب الآخرون في الاستفادة منه، لكن المشاريع الحضارية الكبرى التي يراد لها العالمية، لنجاحها مقتضيات وشروط لا بد من توافرها، وأول هذه المتطلبات أن يكون لدى قيادة الوطن التي تعمل على إيجاد مشروع حضاري تفكير، وهاجس في هذا الشيء مع توافر الإرادة، والإصرار على تحقيق هذا الهدف.
متى ما وجد التفكير في المشروع الحضاري تأتي الخطوة التالية، المتمثلة في صياغة خطة تسير وفق مراحل، ويحدد لكل مرحلة أهداف تتسق مع الأهداف الكبرى التي رسمت في البداية للمشروع الحضاري، وتسهم في تحقيقها، وكما هو معلوم فإن الأهداف لا تتحقق بسهولة، إذ قد تطرأ معوقات تحول دون تحقق الأهداف، ولذا لا بد من المرونة في تغيير الخطط، أو تأجيل بعض الأهداف، ولا مانع من إلغاء بعض الأهداف إذا كانت تتعارض، أو تعوق الوصول إلى الهدف الأساس.
المرونة تقتضي المناورة لتجاوز بعض العقبات التي قد تكون داخلية مثل أن يتصدى للمشروع أصحاب مصالح، أو ذوو توجه فكري يتعارض توجههم مع المشروع الحضاري، كما أن المشروع قد يواجه رفضا خارجيا بسبب أن المشروع الجديد يتصادم مع مشروع قائم، أو يهدد مصالحه المادية، ولعل صراع الحضارات الذي نشهده في الوقت الراهن، وعبر التاريخ، وما ترتب عليه من حروب دليل قاطع على الرغبة في وأد المشاريع الحضارية الجديدة حفاظا على المصالح، واستمرارا للهيمنة، والسيادة على العالم.
الحرب الباردة التي أوشكت أن تصل إلى الحرب الخشنة في كثير من الأحيان بين أمريكا، والاتحاد السوفيتي مثال حي على الصراع بين المشاريع الحضارية التي تستهدف الوصول إلى مرحلة الهيمنة على العالم، ولعل سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه مهد الطريق لأمريكا لبسط نفوذها، وهيمنتها على العالم، ومؤسساته، وهيئاته.
الحروب القائمة في منطقتنا، سواء أكانت بين دول، أم بين فئات داخل أوطان تمثل صورة مصغرة لصراع حضاري، كما يحدث في سورية، واليمن، إذ إن كل فريق يحمل مشروعا يتنافر مع المشروع الذي يحمله الطرف الآخر، كما أن كل طرف يرتبط بجهة خارجية توجهه ويعتمد على دعمها المادي، والإعلامي، والسياسي.
الجمود، والتصلب الفكري يمثلان سببا رئيسا في فشل الكثير من المشاريع الحضارية، ذلك أن القائمين عليها لا تتوافر لديهم المرونة الكافية التي تمكنهم من تغيير التكتيكات، وليس الأهداف، فالأهداف لا تتغير لكن وسائل وأساليب تحقيقها تتغير حسب الظروف المحيطة، ولذا يترتب على الجمود الفكري ضياع الفرص السانحة التي قد تطرأ نتيجة أي سبب من الأسباب، مما يضيع على المشروع إمكانية خروجه للعالم، والتعبير عن ذاته بوضوح.
نجاح المشروع الحضاري يتطلب قبولا اجتماعيا، ومفكرين ينظرون له، وأدوات تقدمه للجمهور، وتسعى لتحقيقه، فالقبول الاجتماعي وحماس الناس يمثلان الطاقة الملهمة، والمحركة التي تمكن من بناء المشروع بالصورة المرجوة.
ختاما إن المشاريع الحضارية سمة من سمات الأمم الحية، كما أنها تحفظ للأمة نماءها وقوتها وقدرتها على مواجهة المتغيرات والظروف القاهرة، فما نصيبنا من مشروع حضاري نقدمه للعالم ونفخر به؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي