الاستدامة والمسؤولية الشخصية
مع التبني العالمي لمفهوم الاستدامة في العديد من المستويات، وبدء البحث عن حلول للحد من تأثير الإنسان في كوكب الأرض، فإنه يجري اقتراح أفكار مختلفة حول الخطوات التي يجب اتخاذها، وإن كان العديد من هذه الحلول المقترحة يمكن أن يكون له أيضا تأثير عكسي. فعلى سبيل المثال غالبا ما يؤدي الوفر الذي يتحقق من استخدام المنتجات ذات الكفاءة في الطاقة إلى شراء المزيد من التقنيات التي تستهلك المزيد من الموارد. وهناك نقطة أساسية في النقاش الدائر حول الاستدامة ربما لم يتم تناولها بالشكل الكافي حتى الآن، ألا وهي احتياج السلوك الفردي أيضا إلى الاسترشاد بفكر الاستدامة، وذلك قبل أن نأمل في أن تصبح الاستدامة فعالة على مستوى المجتمع أو الدولة أو حتى المستوى العالمي.
إن الاستدامة هي عملية وفلسفة يمكنها أن تنشئ منهجا استراتيجيا أكثر وعيا لتلبية احتياجات المجتمع، سواء في الحاضر أوالمستقبل. وعندما يدرك الفرد ماهية الاستدامة فإن شعوره بالمسؤولية سوف يتحرك في الاتجاه الصحيح. وعندما يختار الأفراد تطبيق مفاهيم الاستدامة في حياتهم، فإن هذه المفاهيم ستلقى قبول المجتمع ومن ثم قبول مختلف الأجيال.
والمسؤولية الشخصية مصطلح يستخدم لمعالجة مدى تأثير المستوى الفردي في السعي نحو تحقيق الاستدامة. وهناك حاجة لدراسة الاستدامة وتحليلها على المستوى الفردي من أجل تقييم وتصور وفهم كيفية حث الفرد على اختيار التغيير المستدام.
وفي الوقت الحاضر يعد جزء المجتمع الذي يحقق الأثرالأكبر في البيئة، هو الجزء الذي تتوافر لديه معلومات في متناول يده. وعند الحديث عن رفع مستوى الوعي العالمي فإن شبكة الإنترنت هي الأداة القوية التي تتيح للأخبار السفر سريعا. أخبار الكوارث العالمية مثل التسرب النفطي في خليج المكسيك وحادث المحطة النووية في فوكوشيما جعلت المجتمع أكثر اهتماما بكثير بمثل هذه القضايا، وبإمكانية وقوع مثل هذه الكوارث الخطيرة في بيئاتهم. ولقد بدأت المجتمعات تدرك أن هناك مئات المشكلات التي إن لم يتم رصدها وتحليلها وعلاجها، أو اتخاذ إجراءات بشأنها، فإنها يمكن أن تصبح مشكلات ضخمة بسرعة كبيرة. ولا شك أن الطبيعة المترابطة لهذه المشكلات الصغيرة هي التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات المحلية لتصبح مشكلات على المستوى العالمي.
وبوصفنا الجيل الذي يواجه الآن مستقبلا تكتنفه ندرة المياه وارتفاع الأسعار بسبب ندرة الموارد ذات الصلة، فإننا الآن في مرحلة بدء التساؤل عما يمكن أن يوصف بأنه حاجة أساسية ومتى يمكن أن تنمو هذه الحاجة لتصبح رغبة لا داعي لها ويمكن الاستغناء عنها.
وحاليا في العديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم يعد نقص الكهرباء مشكلة رئيسة. وعلى النقيض من هذا ينمو استهلاك الكهرباء من خلال زيادة الاعتماد على التقنية. إضافة إلى ذلك فقد أدى نقص الغاز الطبيعي في المحطات الحرارية إلى التحول إلى زيت الوقود. وقد زاد هذا من تكلفة إنتاج الكهرباء لكل وحدة، في حين لا تزال تكلفة الكهرباء المباعة للجمهور مدعومة. وكأفراد يمكننا أن نكون مسؤولين شخصيا من خلال معالجة كيفية الحد من عبء استهلاكنا للطاقة من خلال الاستثمار في الأجهزة ذات الكفاءة في الطاقة، وتطبيق حلول الطاقة البديلة على المستوى المنزلي.
لا تزال هناك فجوة بين كيفية تقييم الجيل الحالي للآثار الاجتماعية والاقتصادية، وتقييمه لاحتياجات الأجيال المستقبلية من الموارد اللازمة للوفاء بالمتطلبات الأساسية.
هل وصلنا الآن إلى مرحلة ثبات حجم الفجوة؟ إن جميع الأجيال تقوم الآن بطرح ثروة من الخبرة على طاولة المفاوضات، وخصوصا المتقاعدين من مواليد فترة الطفرة بعد الحرب العالمية الثانية. ولن يكون هناك تغيير ملحوظ في التأثير في الأرض إلا في حالة تبني جميع أصحاب المصلحة لحل واحد.
وفي الوقت الحاضر وبينما يواجه جيلنا علامات متسارعة ومتزايدة على تغير المناخ، ومستوى نمو سكاني محتمل غير مستدام، وزيادة في استنزاف الموارد والتلوث، فإن عملية صنع القرار تخضع هي الأخرى أيضا للتغيير. ونحن نتوقع الآن من الشركات التي نشتري منها المنتجات أن تنتهج الممارسات المسؤولة أخلاقيا. ويكمن مفتاح الحل في طرح الأسئلة الصحيحة والدفع باتجاه القرارات الأكثر توازنا باعتبارها عوامل مهمة في معالجة هذه المشكلات.
ويجب الاعتراف بالدور الرئيس الذي تؤديه الشركات الصغيرة في عملية الابتكار المستدام. وعند التفكير في الشركات ذات الاستراتيجيات المستدامة، فإننا عادة نفكر في الشركات الكبيرة ذات البيانات والالتزامات المستدامة، ونادرا ما نعترف بالموردين من الشركات الصغيرة التي تعمل على تحسين العمليات من خلال الابتكار لكسب عقود من الشركات الكبرى. كما يجب إيلاء أهمية كبيرة للفرد في مكان العمل، ومدى أهمية دوره في السعي نحو الاستدامة. ويمكن لتسليح المستخدمين الأفراد بالمعرفة أن يزودهم بالتحمس للتغيير الإيجابي مما يؤدي بهم لامتلاك عملية صنع قرار الاستدامة في الشركة.
وتعد محاولة تعريف وقياس الاستدامة في ظل كثرة ما يحدث في العالم أمرا صعبا للغاية. ويجب تحديد الصفات التي لا غنى عنها على المستوى التنظيمي في مختلف مستويات القيادة لتطوير الخطط المستقبلية التي تتبنى الاستدامة. وليس هذا مفهوما جديدا في شعار الاستدامة، ولكن يجب علينا أن نذكر أنفسنا بدورنا المزدوج كأفراد وكأعضاء في المجتمع. ومن أجل إعادة التوازن لمستقبلنا فنحن بحاجة للبدء في طرح الأسئلة المناسبة كأفراد وكمواطنين وكأجيال للحفاظ على ملفنا البيئي متوازيا مع أهدافنا المتمثلة في الحفاظ على روحانية وخلافة منزلنا الكبير كوكب الأرض. وبينما يتم إجراء الدراسات الكافية لتحليل الصورة الكبيرة، فإن الحاجة الماسة للتأمل الذاتي على المستوى الفردي ونقل هذه الرسالة للمنازل وللناس كأفراد تحتاج أيضا إلى اهتمام مماثل.